اختتمت ثلوثية الأمير أحمد السديري بمدينة الرياض مجلسها يوم الثلاثاء الماضي بمحاضرة لفضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي «إمام وخطيب مسجد قباء»، والتي كانت بعنوان ( تأملات في آيات الصيام ). وقد تناول المغامسي في بداية محاضرته شيئا من الوقفات مع آيات الصيام وبيّن اشراقات من الآية فقال: النداء في القرآن يختلف: فمنه نداء نسبة، كقول الله جل وعلا: (يَا بَنِي آدَمَ) فهنا نسبهم إلى أبيهم. وهناك نداء مَذَمّة كقول الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا). وهناك نداء عام لا يتعلق به مدح ولا ذم كقول الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وهناك نداء كرامة ومنه هذا النداء الذي بين أيدينا، قال ربنا جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) فلما جاءت الآيات بفرضية الصيام جاءت الآيات نداء كرامة أن وصفهم بأنهم مؤمنون والإيمان علق الله جل وعلا به دخول الجنة، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً). * (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) وفي هذا إنهاض لهمم أمة محمد أن لا تسبقها الأمم من قبل، في أنها صامت ولحقت ونالت خيرا من ربها فتنهض هذه الأمة بأن تنافس في الخيرات وتسابق في الطاعات بل هي أولى من غيرها لأنها خير الأمم كما نص القرآن على ذلك. * قال ربنا: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي أن الله جل وعلا جعل لأهل التقوى شعارا وجعل لهم أعمالا يتصفون بها فمن أعظم أوصافهم الصيام، فيكون قول الله جل وعلا: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي إن تحليّتم بالصيام فقمتم به على الوجه الأكمل اندرجتم وسلكتم في ركب المتقين وهو مطلب عظيم. * (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) أي ابتدأ نزول القرآن منجما في شهر رمضان فتكون ليلة القدر قطعا من رمضان وعلى هذا جماهير العلماء من السلف والخلف إلا ما روي عن عكرمة. استقبال رمضان. ثم ثنّى المغامسي ببيان الحال الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن في رمضان وعما يعين على الطاعة وما ينبغي للمؤمن تركه،قائلا: * أول ما يمكن أن يستصحبه العبد أن الوفادة على الله جل وعلا ليست بالأمر الهيّن، والقدوم عليه تبارك وتعالى قال الله جل وعلا فيه: (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً{17} السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً{18}) فإذا أدرك المؤمن أن القدوم والوفادة على الله ليست بالأمر الهيّن تخلّص من الذنوب وأكثر من الطاعات،و إلا يصبح قد شقيت طينته وساءت سريرته، لأن الموازين يوم القيامة إنما ترجح بالعمل الصالح، فأعظم ما يستصحبه الإنسان وهو مقبل على رمضان ان يجعل رمضان بين عينيه سبيلا لمرضاة ربه، فيتذكر ما قد سلف من الذنوب وما عليه من تبعات وخطايا، ولا يسلم من هذا أحد. * مما يعين على صيام رمضان أن ينظر الإنسان في القدوة والأسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن هديه عليه السلام مدارسة القرآن، وأضاف المغامسي موضحا ما ينبغي للمسلم أن يستقبل به شهر رمضان المبارك فقال:»* من سيرته صلى الله عليه وسلم في رمضان»قيام الليل « وتدرك الأمة أن قيام الليل من أعظم مناقب الصالحين، الله يقول: (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، لكنه يتأكد قيام رمضان، لقوله عليه الصلاة والسلام: « من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه:، وليلة القدر من رمضان مجهول أي ليلة هي، على اختلاف بين العلماء شهير،و لو أن المرء وهو يذهب إلى مسجد حيه أو إلى مسجد بيته إلى مصلاه في بيته، أو يرسل سجادة قد طويت منذ ليال يستصحب قول الله جل وعلا: (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) يحذر الآخرة يحذر عذاب النار، يرجو رحمة ربه: يرجو الجنة، والله يقول: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) هذا إبعاد عقاب. (وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ ) وهذا إتيان ثواب، (فمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) والمقصود أيها المباركون لابد له من حظ في قيام الليل. صلاة التراويح أداؤها في المسجد عند جماهير العلماء خلافا لمالك أنه أفضل، والمشهور عن مالك أن تأديتها في البيت من غير جمع مع الناس أفضل، لكن الذي عليه الجماهير أفضل والعلم عند الله، لأن الفاروق عمر جمع الناس عليها. * مما دلت عليه سيرته صلى الله عليه وسلم القولية في الصيام أنه نهى أمته عن السباب والشتام حال الصوم آكد من غيره، ومعلوم أن من أكرمه الله بأن حبس نفسه عن الطعام والشراب والشهوة إجلالا لله حريٌ به أن يحبس حظوظه النفسية، وفي الحديث: « فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم « فلا ينبغي لمن منّ الله عليه بهذه العبادة العظيمة أن يجاري أهل السفاهة فيما هم فيه. * كلما عجل المرء في الفطر كان أقرب « أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا « لأن المؤمن وهو يتعجل الفطر كأنه يظهر عجزه وضعفه وفقره إلى الله تبارك وتعالى، وأنني ما حبست نفسي عن الطعام والشراب إلا إجلالا لك أي رب فلما أذنت لي بأن أطعم طعمت، ويقول صلى الله عليه وسلم: « تسحروا فإن في السحور بركة «، وكلما عظم اليقين بخبر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم عظم الأخذ بالسنة والعمل بها، ولو أن يحسو الإنسان حسوات من ماء حال سحوره»
التوبة النصوح وختم المغامسي محاضرته بأن أعظم ما يستقبل به المسلم رمضان هو التوبة النصوح فقال:» ما استقبل رمضان بأعظم من توبة نصوح يفيء بها العبد إلى ربه، سريرة خالصة صادقة بينك وبين الله ينطوي قلبك عليها قبل أن يدخل رمضان، يجعل الله لك بها سببا للعون على الطاعة، فأعظم ما يمكن أن يختم به شعبان ويستقبل به رمضان أن تنطوي القلوب على نية صادقة تريد ما عند الله تريد وجه الله والدار الآخرة فمن كان كذلك فليستبشر وليأمل خيرا فإن الله جل وعلا عند ظن عبده به.