شهدت الانتخابات الكندية الاتحادية التي أُجريت في 2 أيار ( مايو) الحالي تغييرات جذرية في المعادلة الانتخابية، اذ سجل «الحزب الديمقراطي الجديد « اليساري النزعة، ولأول مرة فوزاً ساحقاً على منافسيه العريقين «الحزب الليبرالي» و«بلوك كيبكوا». وأصبح الحزب المعارض الاقوى في البرلمان الكندي اذ ارتفع عدد مقاعده من 30 الى 103 نواب بينهم بيار لوك دوسو، أصغر نائب (19 سنة و11 شهراً) في تاريخ الحياة البرلمانية والسياسية والحزبية في كندا. والمفاجأة الانتخابية لم تكن في فوز دوسو أو في تفوقه على خصمه القوي الذي احتفظ بمقعده النيابي منذ العام 1999 وحسب، وانما في كونه ايضاً أول من سجل رقماً قياسياً في فئة الشباب ممن فاز بعضهم في دورات انتخابية سابقة، سواء لحداثة عمره أم لعدد الاصوات التي نالها. وينتمي دوسو الى عائلة اجتماعية متوسطة. وهو لا يزال في بداية حياته الجامعية طالباً سنة اولى في كلية العلوم السياسية، وهي المرة الاولى التي ينتخب فيها عن دائرة شربروك في مقاطعة كيبك. وكان دوسو، كما يقول: «شغوفاً بالشأن السياسي ومتابعاً لما يجري في البرلمان الكندي من نقاشات ومداولات، وشديد الاعجاب بكاريزما زعيم الحزب الديموقراطي الجديد جاك لايتون وجرأته في طرح الحلول التقدمية للمشاكل الاجتماعية والتربوية والصحية»، ما دفعه الى الانتساب للحزب وتأسيس فرع له في الجامعة. ويرى دوسو ان ركيزته وماكينته الانتخابية انطلقتا اساساً من الشباب الجامعيين والثانويين الداعين الى التغيير، وبمؤازرة كبيرة من برلمان الشباب الكيبكي الذي شهد نقمة كبيرة من اعضائه على الاحزاب التقليدية. ويؤكد انه «قرأ، اثناء جولاته الانتخابية، في عيون ناخبيه رغبة شديدة في اختياره ممثلاً لجيل التغيير في كيبك لا سيما ان بعض الشباب من قبله وصل الى البرلمان وأحدث بفوزه اختراقات مهمة في جدار الاحزاب التقليدية «. من هذا المنطلق كان برنامجه الانتخابي برنامجاً شبابياً بامتياز يدعو الى تعزيز البرلمانات الشبابية ودعمها بالمخصصات المالية السنوية، وإعادة النظر في مجمل البرامج التعليمية وحل المشكلات المزمنة للطلاب الجامعيين كتسهيل الحصول على المنح والقروض الدراسية وزيادة مخصصاتها وخفض الرسوم الجامعية وتعزيز اللغة الانكليزية في المناهج الكيبكية وتفريع أوسع للبرامج التعليمية الجامعية والثانوية بما يوفر فرصاً أفضل للعمل ويخفض نسبة البطالة في صفوف الخريجين. ويبدو ان فوز دوسو غيّر الكثير من المفاهيم والافكارالمسبقة التي كانت ترى ان الشباب لا يكترثون بالشؤون السياسية ولا يشاركون إلا نادراً في أي استحقاق انتخابي بلدي او نيابي. الا ان الانتخابات الاخيرة قلبت تلك المفاهيم رأساً على عقب وشكّل انخراطهم الكثيف فيها سابقة حقيقية، اذ وصل إقبالهم على صناديق الاقتراع الى معدلات تاريخية (حوالى 60 في المئة) قياساً بما كانت عليه في الانتخابات السابقة (حوالى 25 في المئة). ويؤشر هذ التحول التاريخي بالنسبة الى الرأي العام الكندي وشريحة كبيرة من الشباب الى نشؤء جيل جديد، نظيف الكف واللسان، ومثال للتغيير الديمقراطي، ورافد نوعي يضخ الحياة البرلمانية بدم فتي حار. أما أصداء الترحيب والإعجاب فعكستها الوسائل الاعلامية الكندية. واحتل نجاح دوسو وصوره صدارة الصحف، وكان النجم الابرز في محطات التلفزة والاذاعات المحلية التي نوّهت بشجاعته وطموحه واعتبرت فوزه «قصة مثيرة للاعجاب». وفي المقلب الآخر ثمة من خفف من وطأة الصدمة، مشيراً الى أن حداثة سنه وعدم نضجه وخبرته السياسية ومستواه العلمي المتواضع لا تؤهل دوسو الى أن يجلس الى جانب الكبار. «فالأطفال لا يجيدون فنون الحكم واللعبة الديموقراطية» بحسب ما قال هؤلاء. هذه الانتقادات القاسية لم تلق آذاناً صاغية لدى دوسو الذي أكد صواب الخيار الديموقراطي لناخبيه، لافتاً الى ان «رجال السياسة لم يولدوا سياسيين» وان لديه الثقة والجرأة لأن يكون على مستوى المنصب الذي يمثل، واعداً بأن اداءه السياسي خلال السنوات الاربع المقبلة سيتحسن شيئاً فشيئاً، وكشف عن انه سيباشر فوراً في تحسين لغته الانكليزية والتوقف عن الدراسة الجامعية والخضوع لدورات تدريبية مكثفة لدى الحزب لفهم الآليات والأساليب والمداولات التي تجرى تحت سقف البرلمان. ويختصر دوسو رؤيته للمرحلة المقبلة بقوله: «حياتي ستتغير من كل شيء الى كل شيء».