ودعت محافظة الطائف أمس أحد رموزها التربوية التي أسهمت في تعليم أجيال ضمت العديد من الملوك والأمراء، إذ وارت جموع المشيعين عقب صلاة العصر المربي عيسى الدباغ الثرى عن عمر يناهز ال100 عام في مقبرة عبدالله بن العباس. وأوضح ابنه الدكتور عبدالله عيسى الدباغ في حديث إلى «الحياة» أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تلقى تعليمه على يدي الراحل، إلى جانب الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - والأمير متعب بن عبدالعزيز، والأمير طلال بن عبدالعزيز في مدرسة الأنجال، وهي أول مدرسة افتتحت في العاصمة الرياض في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود. وقال الدكتور الدباغ إن والده درس في مكةالمكرمة، والتحق بسلك التعليم كمعلم وعمره 16 سنة، وأضاف «كان لديه عشق بالطائف، وفضل العيش والموت فيها، رغم أن جميع أشقائه يقطنون في مكةالمكرمة، محاولاتنا لنقله إلى الرياض أو المدينةالمنورة عندما تدهورت صحته قبل شهرين تقريباً». وأشار إلى أن للفقيد تسعة من الأبناء خمسة منهم ذكور وأربع بنات، من زوجتين، توفيتا قبله، وقال: كان دائماً ينصحنا بالاستقامة وحسن التعامل مع الناس وتحري الصدق، واشتهر بصلة الرحم لجميع الأقارب دون استثناء أحد، رغم انتشارهم في مدن السعودية المختلفة. ويواصل الدكتور الدباغ الحديث عن والده بالقول «عمل والدي عقب عودته من الرياض إلى الطائف في مدارس التعليم العام، ثم مديراً عاماً للتعليم في المدارس العسكرية، وعمل مفتشاً في وزارة المالية حتى أحيل إلى التقاعد، وترك مكتبة تضم نحو ثلاثة آلاف كتاب». وأوضح أن مرض والده الذي ألزمه غرفة التنويم في مستشفى الملك عبدالعزيز التخصصي طيلة الشهرين الماضيين كان بسبب تقدمه في السن، مشيراً إلى أن برنامجه اليومي قبل مرضه تمثل في ممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة كجزء أساسي من حياته. وذاع صيت عيسى بن عبدالله الدباغ بين السعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أجهزة هواتفهم الذكية منذ ليلة العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، إذ تساءل الكثير عن سيرته وخفايا تلك الشخصية التي أبدى لها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كل الإجلال والتقدير كونه مدرساً له. وفي وسط المنطقة المركزية في العاصمة المقدسة وعلى مقربة من المسعى في المسجد الحرام ولد عيسى الدباغ عام 1915، إذ عاش وترعرع في مكةالمكرمة، متنقلاً بين أحيائها وأزقتها، والتحق بمدرسة نظامية في مكةالمكرمة، ودرس صفوفه الأولية فيها، إضافة إلى دراسته في الحلقات العلمية بالمسجد الحرام. وعانى عيسى من اليتم صغيراً، بعد أن فقد والده عبدالله الدباغ في وقت باكر من عمره، ليتولى أمر رعايته أخوه الأكبر حسن بإشراف مباشر من (ابن عم والده) محمد طاهر الدباغ، ثم رحل الدباغ مع عائلته إلى جنوب سواحل الجزيرة العربية، قاصداً مدينة المكلا في حضرموت بعد دخول الملك عبدالعزيز إلى الحجاز، وأكمل تعليمه في المدرسة التي أنشأها أخوه الأكبر حسين الدباغ، ورحل عمه طاهر إلى العراق. وبعد أعوام، طلب محمد طاهر الدباغ من الملك عبدالعزيز العودة إلى وطنه، فأجابه المؤسس، وانتدبه مدرساً ومعلماً، يعلم أبناءه، واستعان محمد طاهر الدباغ بعيسى في التعليم، لبراعته في علم الحساب، وطلب منه الرجوع من المكلا إلى الرياض، ليباشر عمله الجديد كمعلم لبعض أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن (رحمه الله). ومن محاذاة بحر العرب في عاصمة حضرموت الساحلية، انطلق الدباغ إلى وسط مدينة الصحراء النامية (الرياض) معلماً لأبناء المؤسس الراحل، فمنهم من تولى الحكم، ومنهم من شغل مناصب قيادية كبيرة في الدولة، ويشير ابن عيسى الدباغ - الدكتور عبدالله - الذي التقته «الحياة»، إلى أن والده قدم إلى الرياض برغبة من الملك عبدالعزيز، ليكون معلماً لأبنائه الأمراء، إذ إن والده درس اللغة العربية وعلم الحساب وبرع فيهما، لذلك تم اختياره. ويضيف: «علّم والدي الملك فهد رحمه الله والملك عبدالله والأمير مشعل والأمير متعب، وكان حريصاً حازماً في التعامل معهم، وذلك بطلب وإيعاز من الملك عبدالعزيز بحسب ما أخبرني به الوالد». وبمقربة من العرش الملكي، بدا عيسى الدباغ معجباً بطريقة إدارة الملك عبدالعزيز للبلاد في تلك الفترة، كما أنه لم يخف إعجابه لأبنائه، فيضيف ابنه الدكتور عبدالله «الملك عبدالعزيز كان يبادر في الذهاب لزيارة المسؤولين الذين اختارهم، ليطمئن على أوضاع المواطنين، ويتلمس حاجاتهم عن قرب، ليرى سير العمل، فكان هو صاحب المبادرة، وهذه طريقة إدارة حديثة في ذلك العهد، يتحدث عنها الوالد بإعجاب دوماً». وتنقل المربي الراحل الذي شارف على بلوغ القرن من عمره بين أقطاب المملكة الثلاثة (الدمام، الرياض، مكةالمكرمة)، مواصلاً مشواره التعليمي حتى بلغ المدير العام للتعليم في المدارس العسكرية والمشرف عليها في جميع أنحاء المملكة، وبعدها انتقل إلى وزارة المالية، وأصبحت محطته الأخيرة إلى أن تقاعد. وأشار الدكتور الدباغ إلى أن والده كان يحب ممارسة الرياضة والمشي، ولم يرغب في قيادة السيارة، وكان يمارس الرياضة في المنزل، ولم يَقُد السيارة إطلاقاً في حياته، وكان حبه للرياضة من جانب الممارسة والصحة.