إنه المنتج الأكثر رواجاً في مصر الآن، وهو المنتج الذي يصنف حامله بناء عليه، وهو المنتج الذي لا يعترف بإغلاق المحال أو شح الكميات المعروضة أو ثقل ضريبة المبيعات أو الخدمات. علم مصر بألوانه الثلاثة ونسره الذهبي سمة الشوارع والميادين المطالبة بإسقاط حكم المرشد! وهو سمة الشعارات المرفوعة في السيارات والباصات وتوك توك وحنطور استعادة الثورة المسروقة وحقوق المواطن المنهوبة ومعالم مصر المطموسة! وفي مواجهة «قصر الاتحادية» الذي كادت تختفي معالمه تماماً تحت وطأة الكتل الخرسانية الآخذة في الارتفاع حماية لمقر أول رئيس مدني منتخب لم يكن يرتدي قميصاً واقياً قبل عام واحد بالتمام والكمال، رسمة ضخمة تمثل مصر بمساجدها وكنائسها وأهراماتها بين أحضان مرسي الذي يقول «بتاعتي». هتافات المسيرة النسائية القادمة من جهة كنيسة البازيليك المتاخمة للقصر تدحض ادعاء الرئيس بعلو الصوت «مصر لكل المصريين. لا إخوان ولا سلفيين مصر لكل المصريين». وتتداخل معها هتافات الشباب القادم من جهة مسجد «عمر بن عبد العزيز» المتاخم أيضاً للقصر «مصر مش عزبة المرشد» «يسقط يسقط حكم المرشد». حكم المرشد الذي أدخل مصر في نفق الاستقطاب البالغ الظلمة بمناسبة مرور عام على حكم أول رئيس يأتي بالصندوق هو نفسه الحكم الذي تنتفض ضده ميادين وشوارع تجمع كل أطياف المصريين ممن يرفضون احتكار الدين المؤدي إلى احتكار السلطة، مروراً بأدمغة وربما أرواح البسطاء ممن خضعوا لعمليات غسيل أدمغة وإعادة تنسيق وتشغيل برامجها بحسب أولويات مكتب الإرشاد وأمراء الجماعات. وحيث إن أولويات مصر والمصريين تختلف عن أولويات الجماعات، فقد اشتعلت الميادين وتأججت اشتعالاً يذكر العالم باشتعال يناير 2011 مع بعض الفروق الطبيعية والبشرية. فثورة يناير الشتوية تقف على طرف نقيض من ثورة يونيو الصيفية حيث ضربات الشمس واختناقات الحرارة وتعرق الرطوبة القاتلة. كما أن ثورة يناير لم تمر عبر «رابعة العدوية» و «وزارة الدفاع» وبيوت الوزراء، بل اشتعلت في «التحرير» وقت اعتقد المصريون أنه اشتعال على قلب راجل واحد من أجل الإطاحة بنظام رجل واحد. لكن الموجة الثورية الصيفية تشتعل على قلب رجال عدة من أجل الإطاحة بجماعات عدة. وليس أدل على ذلك من هتاف «قلبي على ولدي انفطر، وقلب مرسي على حماس وقطر» ومناشدات المعارضين على متن الشبكة العنكبوتية بأن ما يحدث في مصر هذه الأيام شأن داخلي متمنين منهم الابتعاد عن التدخل سواء بالاعتراض أو بالمناصرة. خيمة مناصرة سورية المرابضة في «رابعة العدوية» حيث رجال يحملون أكفانهم في أياديهم في دلالة واضحة على نبذ العنف ودعم الشرعية وحماية الإسلام من الكفار تشير إلى أبعاد عربية في الشؤون الداخلية. لكن الشؤون الداخلية لمصر ستظل محط أنظار العالم هذه الأيام بدءاً بفعاليات الاحتجاج ومراسم النصرة ومروراً بالمفاجآت المتوقعة وانتهاء بكلمة «النهاية» ليسدل ستار عام من حكم أول رئيس مدني منتخب يقسّم المصريين ويشتت وحدتهم. غير أن مشاهدات يوم أمس حوت العديد من مناقب عام من حكم مرسي. الحشود لم تكن تلك المعبئة عبر «فايسبوك»، بل تم تعبئتها عبر عام من الفشل الذريع والإحباط المريع وطمس الهوية الفريد. «أحمد» شاب مصري هاجر إلى نيوزيلندا قبل أربعة أعوام، لم يزر مصر خلالها. وصل أمس مطار القاهرة، ومنه إلى ميدان «التحرير» مكتفياً بمهاتفة والدته، إذ «لا يسعني تفويت فرصة استعادة الثورة واستعادة مصر المسروقة والمنهوبة إن لم يكن باسم 30 سنة إنجازات واستقرار فباسم الدين وضمان دخول الجنة». وسيكتب التاريخ للدكتور مرسي أن الشعب لم يعد يرفع في عهده مطالب حقوق الشهداء الذين راحوا دون قصاص في ثورة يناير وما تلاها من أحداث، بل رفع الشعب سقف مطالبه بعد عام من حكمه مطالباً «فين حق الشهداء؟ طيب فين حق الأحياء؟» الكتيب الحقيقي لإنجازات الرئيس بعد عام - وهو يختلف عن كتيب الإنجازات الافتراضية التي توزع على أرصفة «رابعة العدوية» - يحوي كذلك تغيراً ملحوظاً تشهد به غالبية فئات الشعب في موقف الشرطة، وهي الغالبية التي كانت تعاني من قبل من موقف الشرطة التسلطي العنيف المخصص لحماية النظام على حساب الشعب. اغتيال ضباط وأفراد شرطة في ظل هيمنة الجماعات الجهادية والتكفيرية على سيناء - في ظل الصمت الرئاسي العجيب - ربما ساهم في الانحياز الشرطي المعلن تجاه المواطنين، وذلك بعد ما أصبح الجميع في خانة «ضحايا النظام». «ضحايا النظام» الذين ظل النظام وأذرعته طيلة يوم أمس يصنفهم باعتبارهم الفلول والبلطجية والثورة المضادة يقدّرون بالملايين، وهو ما يحسب للرئيس مرسي أيضاً، وذلك لقدرته على استنساخ خطوات الرئيس السابق مبارك في الأيام الأخيرة، لدرجة استخدامه الكلمات والتهديدات نفسها بدءاً ب «الفوضى التي ستعم» حال رحيله وانتهاء بفكرة «لم يكن ينتوي الترشح» ولكن لعلم الجميع أنه كان مرشح الصدفة أي ال «ستبن» بعد تعذر ترشيح المهندس خيرت الشاطر. إنجازات الرئيس مرسي التي دفعت بالملايين إلى الميادين أمس كانت نتيجة استنفار عام لدى جموع المصريين لخطورة ضياع مصر وهويتها ووحدتها في «التحرير» من جهة، ونتيجة النفير العام الذي أطلقه مكتب الإرشاد لحماية الشرعية ودعم الشريعة ونصرة أول رئيس مدني منتخب. السيدات اللاتي وقفن في شرفات منازلهن أعلن من جهتهن نفيرهن الخاص بهن، عبر قرع على أواني الطهي مطالبات بإنهاء حكم المرشد واستعادة مصر!