شهدت الصين خلال العقد الماضي ارتفاعاً في الرواتب لأسباب عديدة أبرزها التطبيق الصارم لقوانين العمل والحد الأدنى للأجور عام 2008، وتحسن الأوضاع الاقتصادية لسكان الأرياف ما حد من انتقالهم إلى المدينة بحثاً عن مستويات معيشية أفضل، ودفع المطالبات بزيادة الرواتب لتغطية ارتفاع تكاليف المعيشة. وأشارت المحللة الاقتصادية في شركة «آسيا للاستثمار» دانا الفقير إلى أن «الكلفة الحقيقية للعامل بالساعة ارتفعت عام 2000 بنسبة 136 في المئة في الصين، وفي الفترة ذاتها ارتفع المتوسط السنوي للراتب في الساعة الواحدة 16.2 في المئة، وهو معدل مرتفع جداً مقارنة بالدول الآسيوية الأخرى». ولفتت إلى أن «ارتفاع الرواتب هذا يزيد تكاليف الإنتاج التي تخفض بدورها من تنافسية الصين في قطاعي صناعة الإضاءات وتجميع والإلكترونيات، في حين أن مصانع النسيج والأحذية والملابس بدأت الانتقال إلى الدول ذات اليد العاملة الرخيصة مثل فيتنام وكمبوديا وبنغلاديش، بعدما كانت تؤسس مصانعها في الصين سعياً إلى التكاليف المنخفضة لليد العاملة». وأكدت أن «الصين تعمل على تحفيز الابتكار بهدف التقدم على سلم القيمة المضافة، وبالتالي المحافظة على التنافسية أو زيادتها، وتُظهر بيانات التوظيف عن القطاع أو عن المنتج الانتقال التدريجي في توظيف اليد العاملة في قطاع إنتاج المنتجات المنخفضة التكاليف إلى قطاع إنتاج المنتجات الراقية». وأورد معجم «فاينانشال تايمز» أن المنتج الراقي يُعبر على أنه أحد أكثر منتجات الشركة تقدماً أو الأكثر تقدماً في السوق عموماً، بينما المنتج ذو الكلفة المنخفضة فهو أحد أقل المنتجات كلفة أو أقلها تقدماً وتعقيداً. ولتحديد أي القطاعات تُعتبر راقية وأيها المنخفضة الكلفة اتخذ مستوى رواتب العمال كمقياس، واعتبر الراتب البالغ 10 آلاف يوان (1600 دولار) الحد الفاصل، لتنصف القطاعات التي يحقق عمالها أكثر من ذلك كقطاعات منتجات راقية والعكس صحيح. وأشارت الفقير إلى أن «كلاً من ارتفاع الرواتب وزيادة سعر صرف اليوان مقابل الدولار يلعب دوراً في تراجع جاذبية الصين لجهة انخفاض التكاليف، بعدما كانت الصين لعقود ملجأ منخفض الكلفة للشركات العالمية التي تسعى إلى زيادة هوامش أرباحها». وعلى رغم ذلك لا يمكن اعتبار هذا الارتفاع في تكاليف الإنتاج مشكلة على الاقتصاد الصيني، فزيادة الرواتب تعني أن الإنتاجية أصبحت أكبر وأن هوامش الربح زادت، ولكن ما يُقلق هو جودة هذه المنتجات الراقية، خصوصاً بعد حادث القطار في مقاطعة جيجيانغ عام 2011. ولفتت الفقير إلى أن «بعض الشركات الصناعية في الصين تعمل على مشاركة شركات أخرى شهيرة لتكتسب منها المعرفة التقنية والتأكد من أن المنتجات تراعي أدنى متطلبات السلامة بعيداً من الصورة الفقيرة المرتبطة بجملة صنع في الصين». وأكدت أن «الدلائل تشير إلى أن الصين تصعد بخطوات ممتازة على سلم القيمة المضافة، ففي ظل ارتفاع التكاليف الصناعية يجب عليها أن تعمل على تحفيز الابتكار أو أن تتحمل تباطؤاً متزايداً في نمو الصادرات»، مشيرة إلى أن «مع إصرار الصين على الاحتفاظ بتنافسيتها عالمياً، فسنراها تعمل بقوة على البحوث والتقدم والابتكار».