انكشف الغطاء وبرح الخفاء، فأصبح كل شيء مكشوفاً على الساحة. فنحن اليوم أمام هجمة إيرانية طائفية تتخذ من الحزب العميل لها المنفذ لبرنامجها التوسعي الذي زوَّر حقيقته فادعى أنه «حزب الله»، وما هو في حقيقته إلا الحزب الإيراني الذي يتخذ من لبنان مقراً له، ليس غيره، بينما أطماعه تمتد إلى أبعد من ذلك. إن الشعب السوري صار يحارب اليوم من طرف قوتين خطيرتين؛ إقليمية ودولية، فإيران هي المحرك لهذه الحرب الطائفية والمشارك في تنفيذها، وهي بذلك التي تقتل الشعب السوري، وتمزق نسيجه الاجتماعي، وتخرّب المنشآت والمرافق والتجمعات السكانية والمعالم التاريخية التي يزخر بها هذا البلد، وروسيا هي التي تحمي النظام الاستبدادي وتوفر له وسائل القتل وأسلحة الدمار، ليبقى على قيد الحياة. لقد سقط النظام في سورية يوم دخلت إلى هذا البلد ميليشيات حزب إيران في لبنان، تقتل الشعب السوري وتمارس التطهير الطائفي. فلو لم تهبّ هذه الموجة العارمة من الدعم القاتل على سورية للإنقاذ وللإنجاد، لما استطاع النظام أن يصمد حتى اليوم. فهو اليوم قائم بغيره. وتلك هي على كل حال، علامة من علامات الانهيار الوشيك. ولا يقل الإجرام الذي تمارسه روسيا فوق الأرض السورية من خلال دعمها المطلق للنظام، وبواسطة الأسلحة الفتاكة التي زودته بها، عن الإجرام الذي تمارسه إيران. وأمام هذا الوضع البالغ الخطورة، وفي ظل تخاذل المجتمع الدولي، وعجز غالبية الدول العربية وترددها وأحياناً صمتها، يتساءل المرء عن المصير الذي سينتهي إليه هذا الصراع المحموم المحتدم والمستعر الذي تتصاعد موجاته في سورية، والذي يهدف إلى كسب مواقع للنفوذ الروسي. والأمر أخطر بكثير، إذ يهدد الأمن والسلم في دول العالم الإسلامي قاطبة. في مقال له نشرته جريدة «الاتحاد» الإماراتية، دعا الدكتور رياض نعسان أغا، وزير الثقافة السوري السابق، إلى أن يقوم العرب بتكثيف العمل الديبلوماسي مع روسيا التي صار مفتاح الحل السياسي للقضية السورية بيدها، واقترح تشكيل وفد عربي رفيع يناقش القادة الروس ويعلن موقفاً حاداً يصل إلى حد التهديد بقطع العلاقات، إذا أصر الروس على استمرار دعم الحل العسكري حتى تنتهي عملية إبادة السنّة بوصفهم منبع التطرف كما وصفهم قيصر روسيا بوتين. والواقع أن جامعة الدول العربية لن تتحرك في هذا الاتجاه ما لم تتحرك الدول العربية النافذة المعنية مباشرة بحل الأزمة السورية. ولا تملك منظمة التعاون الإسلامي أن تتحرك إلا إذا كان من ورائها الدول الأعضاء النافذة. على أن تكثيف العمل الديبلوماسي ينبغي أن يتجه نحو موسكووطهران في وقت واحد، لأن العاصمتين تملكان مفتاح الحل، وهما تراهنان على الموقف غير الحاسم للدول الأعضاء في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. إن التدخل العربي الإسلامي في الأزمة السورية أصبح اليوم ضرورة في غاية الإلحاح، لإنقاذ الشعب السوري من القتل والدمار والتطهير الطائفي. ولكن يبقى البحث في طرق هذا التدخل من اختصاص القمة العربية والقمة الإسلامية. فهل تعقد قمة إسلامية أو عربية عاجلة لهذا الغرض، لتوجيه تهديد الى روسيا تحديداً، ثم الى إيران بتعليق عضويتها في منظمة التعاون الإسلامي إن لم تكف يدها عن سورية؟ أما انتظار التحرك السريع والحاسم من المجتمع الدولي، وخصوصاً من القوى العظمى، فهو أمر مستبعد تماماً، إن لم يكن مستحيلاً؛ لأن لهذه القوى حسابات عدة تضعها في الاعتبار، ولأن إسرائيل الرابضة على مقربة من دمشق، تتابع وتراقب ولا تقبل بأن تحسم الأزمة لمصلحة الشعب السوري المنتفض. فهذا النظام الطائفي يخدم مصالحها، ويحفظ لها بقاءها محتلةً للجولان الذي هو جزء لا يتجزأ من سورية. لقد كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في مستوى المسؤولية التاريخية والإنسانية، حين دعا العالم الإسلامي إلى الوقوف بحزم في مواجهة تزويد النظام السوري الفاقد للشرعية بالأسلحة والعتاد والأفراد، لئلا يواصل عدوانه على الشعب السوري النبيل. ومن المؤكد أن الحزم المطلوب هنا المقصود به التعامل بمنتهى القوة والحسم مع كل من إيرانوروسيا، فهما الدولتان اللتان تزودان النظام الإجرامي في سورية بشتى أنواع الأسلحة، وبالمقاتلين الذين توجههم طهران من حرسها الثوري ومن الميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية واليمنية وغيرها، لقتل الشعب السوري في حرب طائفية مكشوفة. الحزم ضد تسليح النظام السوري ينبغي أن يكون الوسيلة الفعالة لنصرة الشعب السوري ولإنقاذه من مزيد من القتل والدمار والتطهير الطائفي. ولست أرى في انتخاب حسن روحاني رئيساً جديداً لإيران، أي أمل في تغيير سياسات إيران تجاه المنطقة، فالأمور في هذا البلد كلها في يد المرشد الولي الفقيه، وهذا موقفه معروف بشأن المنطقة برمّتها، فهو المخطط والآمر والناهي والنائب عن الإمام الغائب. فهل تقوم المواجهة الحازمة المسؤولة استجابة للنداء الذي وجّهه خادم الحرمين الشريفين إلى العالم الإسلامي قبل فوات الأوان؟ * أكاديمي سعودي