لابد من القول بداية إنني لست ممن يعانون «فوبيا» مؤامرات خاصة في الزمن الذي نعيشه الآن الذي بات فيه اللعب «على المكشوف» كما يقال. لا شيء يمكن إخفاؤه بالمطلق، وإن حصل فلا يدوم ولا ننتظر طويلاً حتى نراه في الصحف أو على التلفاز أو في ويكيليكس، عبر الإنترنت أو عبر كاميرات الهواتف الذكية. لكن كثرة حديث النظام السوري ومريديه عن وجود «مؤامرة غربية» للإطاحة به حتّمت علينا تناولها، سيما أنه وفي مواجهة هذه «المؤامرة» المزعومة، تبيّن وجود مؤامرة حقيقية اجتمع عليها وللمفارقة العرب والعجم، الشرق والغرب، روسيا وأمريكا، إيران وإسرائيل، الصهاينة و»الممانعة» كل على طريقته، وضحيتها الفعلية الشعب السوري وليس النظام السوري. في البدء أعطوا النظام المهلة تلو الأخرى وبعد مرور أكثر من سنة على الانتفاضة ما زالوا يعطونه المهل ويتوقعون منه الالتزام، لا بل ربما يأملون منه أن ينهي المهمة التي بدأها بإفناء الشعب السوري قبل أن يقعوا في مأزق جميعا. قامت إيران وحزب الله وحكومة المالكي ومليشياتها بالمسارعة لدعم الحلف الطائفي ومد النظام السوري بالمال والسلاح والرجال وخبرات القمع والقتل إلى أقصى حدود، وأمّنت روسيا والصين غطاءً للإجرام الذي يرتكبه النظام في وقت كانت فيه أمريكا وأوروبا تدعوان الله على ما يبدو أن يحصل هذا الفيتو لتختبئا خلفه كي لا تضطران إلى الالتزام مع المجتمع الدولي بالدفاع عن الشعب السوري. وحرصا على سلامة الشعب السوري ودرءا «للتدخل الأجنبي» الذي لا يريد الأجانب القيام به أصلا، قامت الجامعة العربية بطرح مبادرة سياسية على النظام، تلتها مبادرة أخرى أممية لكوفي أنان! نعم، مبادرة سياسية كان نتيجتها أنّ النظام زاد من وتيرة حملته العسكرية والأمنية واستخدم الطائرات المروحية والمقاتلة لقتل مزيد من الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والعزّل وتفاخر جنوده بالتمثيل بالجثث. وفي الوقت الذي كانت فيه البوارج والسفن الحربية لموسكو وطهران تمخران عباب البحر لدعم النظام السوري علنا دون استحياء أو خجل وعلى «عينك يا تاجر» كما يقول المثل، قرر أصدقاء الشعب السوري مساعدته في وجه آلة القمع وتكالب الأمم عليه، فخصصوا له بعض المساعدات الإنسانية غير القابلة للوصول إليه أصلا، كما أعلنت واشنطن أنها ستزوده بمساعدات «غير قاتلة» عبارة عن أجهزة اتصال!نعم، لا تخافوا على الشعب السوري. «أجهزة اتصال» لتحقيق توازن قوى بين شعب أعزل ومحور يضم روسيا والصين وإيران والحكومة العراقية وحزب الله والنظام السوري وجيشه!. ولم تكتف واشنطن بذلك بل وجّهت إنذارا وفق صحيفة الجارديان للسعودية وقطر للتوقف عن إعلان دعم تسليح الجيش السوري الحر، وهو الأمر الذي لو استجابت له المملكة سيكون بمثابة انتحار.الموقف الأمريكي مدفوع بحسابات داخلية وبضغط إسرائيلي لعدم الإطاحة بالأسد بل وعدم السماح حتى بتمرير أية أسلحة للجيش السوري الحر يعد عمليا بمثابة فيتو على حق الشعب السوري الأعزل بالدفاع عن نفسه أمام إجرام النظام الذي تعدى كل الحدود، فأي مؤامرة أكبر من هذه التي اجتمع فيها الجميع على الشعب السوري؟