تحت الأزرق افتتح «غاتسبي الكبير» مهرجان «كان» وعدنا نتحدّث عن سكوت فتزجيرالد وروايته الثالثة. وُصف في يومه بالحداثي البالغ، وعجب ناقد لئيم من وصفه بالكاتب. رأى ت. س. إليوت الرواية الخطوة الأولى للأدب الأميركي منذ هنري جيمس، لكن النسخ ال23 ألفاً لم تكن نفدت حين توفّي الكاتب بعد خمسة عشر عاماً وهو في الرابعة والأربعين. رفضت دار كولينز، ناشرة فتزجيرالد البريطانية، إصدارها، وإذ تولّت «شاتو أند وندوس» المهمة، لم تُثر الرواية حماسة القراء والنقاد. لكنها باتت من أبرز الروايات في الإنكليزية، ولا تزال تبيع الملايين سنوياً. يقول الكاتب الأميركي جاي ماكينرني إن هذه الرواية الصغيرة عن عصر الجاز باتت من أشهر وأحبّ الأعمال في أدب بلاده، ووثيقة حاسمة عن العقل الأميركي. حُوّلت الرواية خمسة أفلام كان أولّها صامتاً في 1926 وضاع باستثناء اللقطات والصور الدعائية. نقلها المسرح مراراً منها ثلاث في لندن وحدها هذه السنة. إلى باليه وأمسيات القراءة ومسرحية عن زلدا فتزجيرالد في بريطانيا صدرت كتب عن الرواية وكاتبها. الموضة أيضاً عادت الى عشرينات القرن الماضي، وكُتبت لرقصة التشارلستن حياة ثانية. الرواية الصغيرة قصة حب بين ضابط فقير وجميلة جنوبية ثرية. ديزي السخيفة ليست البطلة القصصية التقليدية، لكننا نرى الكثير من مثيلاتها في الواقع. الحب لا يأتي أولاً لديهن، والغنيّة لا تتزوج فقيراً. يلتقيها جاي غاتز، الذي يغيّر اسم عائلته الى غاتسبي، حين يُنقل الى قاعدة عسكرية قريبة من لويفيل، كنتاكي، بعد دخول الولاياتالمتحدة الحرب العالمية الأولى. يتظاهر بأنه من خلفية مماثلة فتجد نفسها قادرة على حبه، وتعده بانتظاره حتى يعود من أوروبا. لكنه يتأخر فيتهافت إخلاصها وتتزوج توم بيوكانان الفاحش الثراء من شيكاغو. يعود غاتسبي ثرياً بفضل التهريب، ويشتري قصراً فخماً قبالة قصر زوجها. يقيم حفلات جاز باذخة أسبوعية علّه يلفت نظرها، ويتوقف حين يعلم أنها لا تستحسنها. يقابلها أخيراً بفضل جاره الجديد، نك كاراواي، الذي يروي قصته. بعد شجار مع توم تسرع ديزي الى سيارة جاي الصفراء وتقودها بسرعة فتدهس امرأة يعرف القارئ أنها عشيقة زوجها. يظن زوج الضحية أن غاتسبي هو الذي كان يقود سيارته فيقتله وهو مستلقٍ قرب مسبح قصره. تعود ديزي، المعبودة غير المستحقّة، الى حياتها الفارهة، الفارغة، ويرحل كاراواي خائباً. «لم أرغب بالمزيد من النزهات الصاخبة وامتياز النظر الى القلب البشري». انتمي الى الطبقة الوسطى، وكان «في الداخل والخارج، مفتوناً ومشمئزاً في الوقت نفسه من تنوّع الحياة الذي لا ينضب». قد يضع فتزجيرالد القارئ في الموضع نفسه فيجذبه بالثروة والجمال، ويثير قرفه بالحفلات الحافلة بالمتصنعين والمفرطين في الشرب. أعجب كاراواي بنقاء غاتسبي في العشق وإصراره على حقّه في حبه الأول، وإن كانت ديزي لا تستأهله. في الوقت نفسه لاحظ سعي جاره، الحديث النعمة، الى لفت نظرها ببذلاته الوردية وسيارته الصفراء. تعكس الرواية حياة فتزجيرالد، الضابط الفقير الذي عشق نجمة مونتغومري حين انتقلت فرقته الى ألاباما. كثر المعجبون بزلدا سير، ولاحقها العسكري القادم من الشمال حتى قبلت به زوجاً، ثم فسخت الخطبة حين أدركت أن كتبه لا تبيع، وأنه لن يوفّر لها الحياة التي تطلبها. عاد الكاتب محطّماً الى سانت بول، مينيسوتا، لكن روايته الثانية «هذا الجانب من الجنة» فتحت أبواب العالم وقلب زلدا مجدّداً. حقّق الثروة والشهرة بفضلها، وبدأ مع زوجته موسماً لا ينتهي من الحفلات الصاخبة التي عبّرت وفق تيريز آن فاولر في «ز: رواية من زلدا فتزجيرالد» عن حاجة الكاتب الى مصادقة العالم. أصرّ إرنست همنغواي على أن زلدا تسبّبت بنهاية زوجها في حين اتهمته النسويات بتحطيمها لغيرته من موهبتها. ترمز إعادة ابتكار الذات في «غاتسبي» الى بداية جديدة: «ومع ارتفاع القمر المطّرد بدأت البيوت الصغيرة تغيب الى أن رأيت الجزيرة القديمة هنا التي أزهرت يوماً لعيون البحارة الهولنديين – مقدمة أرضٍ خضراء نضرة من العالم الجديد. أشجارها المختفية، الأشجار التي أفسحت في المجال لمنزل غاتسبي، تواطأت يوماً في الهمس لآخر وأعظم الأحلام البشرية». تقول سارة تشرتشل في «ناس لا مبالين: قتل، أذى واختراع غاتسبي الكبير» إن القصة التي انتُزعت من أوراق صحيفة شعبية ومزجت برواية عاطفية قصيرة لها قوة الموسيقى الرخيصة. كان فتزجيرالد، الذي امتلك وجه طالب في السنة الجامعية الثانية وقلب شاعر مغنٍ من العصور الوسطى من أول المعذّبين بشهرتهم. أمكن وصفه بالجميل وفق الصحافي ه. ل. مِنكِن، ورأى إرنست همنغواي موهبته «طبيعية كالنقش الذي أحدثه الغبار على جناحي الفراشة». تذكر تشرتشل جريمة قتل امرأة وعشيقها القس المتزوج مع بداية فتزجيرالد صراعه الطويل مع الرواية، وتؤكّد تأثيرها فيها. قال الكاتب إن الحفلات نوع من الانتحار، لكنه كان بطلاً أولمبياً فيها، وأنهى سهرة صاخبة ذات ليلة يتفحّص الجثث في «البرّاد». جاهد ليكتب مئة كلمة طوال اليوم في موسم الحفلات في 1922- 1923، وهرب الى الريفييرا الفرنسية ليركّز على روايته ويهمل زوجته التي قد تكون ارتبطت بعلاقة مع طيّار فرنسي. المرأة التي رقصت يوماً في مياه النافورة في «يونيون سكوير» انتهت في المصح، وانتهى هو كاتب سيناريو في هوليوود. لم يُتح له فصل ثانٍ في حياته، كما تنبّأ، وتوفي بنوبة قلبية في 1940 في لوس أنجليس. الأميركية الخامسة بعد مارلين روبنسن وباربره كنغسولفر وتيا أوبريت ومادلين ميلر، تفوز أميركية بجائزة النساء للرواية للسنة الخامسة على التوالي. رجّحت مكاتب المراهنات نيل البريطانية هيلاري مانتل الجائزة بعد فوزها بمان بوكر وكوستا عن «إرفع الجثث»، لكن أ. م. هومز تغلّبت برواية قاتمة المرح تهجو الحلم الأميركي. مدحت الممثلة ناتاشا ريتشاردسن، رئيسة اللجنة الحكم، الابتكار والامتياز وسهولة القراءة في «فليغفر لنا»، وقالت إن مرح الرواية القاتم أضحك المحكمين وأرعبهم في آن. تجمع هومز المآسي في الصفحات الأربع عشرة الأولى: حادث اصطدام مرعب، خيانة وجريمة قتل. تلتقي أسرة مفككة في عيد الشكر الذي يكرّس انشقاقها. لا يتعب جورج من الحديث عن نفسه، ويتنقل هارولد بين المطبخ وغرفة الطعام. تفاجئ زوجة جورج الشقيق الأكبر بقبلة على فمه وهو يلتهم حشوة الديك الرومي، وتعوّض عن الإحباط الذي يثيره زوجها في نفسه. بعد أشهر يجتاز جورج إشارة سير حمراء ويقتل رجلاً وزوجته، ويُودع مصحّاً بعد انهياره. يهرب الى المنزل ليجد زوجته وشقيقه في الفراش ويقتلها. يترك هارولد مسؤولاً عن طفل الزوجين القتيلين وطفليه، فيعثر على نفسه و «أسرته» بعدما زاغ على الإنترنت بحثاً عن شريكات عابرات استعمل معهن الفياغرا. تبدأ الرواية ببيت منقسم على نفسه، وتنتهي بالأمل والمصالحة مع الذات والعالم. تُحكم الأميركيات إذاً سيطرتهن على الجائزة البريطانية التي توقفت شركة أورانج عن رعايتها مادياً هذه السنة، فبات اسمها ببساطة جائزة النساء للرواية. وفّر نفقاتها وقيمتها البالغة ثلاثين ألف جنيه استرليني مناصرون بينهم المحامية شيري بلير، زوجة رئيس الوزراء العمالي السابق المليونير توني بلير. سيتغيّر اسمها ثانية السنة المقبلة مع بدء رعاية مشروب بيلي المرتبط خصوصاً بعيد الميلاد، الأمر الذي أنعش موهبة المزاح لدى البعض. كان يمكن أن تحقّق هيلاري مانتل إنجازاً تاريخياً لو نالت الجائزة الكبيرة الثالثة بعد مان بوكر وكوستا، لكن هومز تغلّبت على زميلتين أميركيتين وثلاث بريطانيات بينهن زيدي سميث بما دعتها «رواية الفرص الثانية». دعتها «ذا غارديان» المرأة التي أطاحت مانتل، وقالت هي إنها لم تتوقع الفوز.