تواصلت أمس لليوم الثاني أشغال المؤتمر الوطني لمناهضة العنف والإرهاب في تونس الذي يشارك فيه أكثر من 70 حزباً و300 جمعية مدنية بدعوة من الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وهيئة المحامين والمعهد العربي لحقوق الإنسان. وعلى عكس ما كان متوقعاً، غاب عن الجلسة الختامية للمؤتمر أمس رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة علي العريض (الذي حضر وزير حقوق الإنسان ممثلاً عنه). وكان المؤتمر يطمح إلى الاتفاق حول خطة وطنية للتصدي لظاهرة العنف التي استشرت في البلاد بعد عامين من إطاحة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وأكد وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو في كلمة ألقاها خلال اختتام أشغال المؤتمر نيابة عن رئيس الحكومة أن ظاهرة العنف والإرهاب تهدد المسار الانتقالي في تونس، داعياً الجميع إلى إرساء ثقافة الحوار والتسامح. وعبّر رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، من جهته، عن أسفه لما حدث في افتتاح المؤتمر من مشاحنات، ودعا الأحزاب المنسحبة إلى العودة إلى الحوار، مؤكداً دعمه لكافة الأحزاب الداعية إلى جعل يوم 6 شباط (فبراير) من كل سنة - ذكرى اغتيال السياسي اليساري المعارض شكري بلعيد - يوماً وطنياً للتصدي للعنف والإرهاب. وشهد المؤتمر صعوبات منذ يومه الأول، حيث حاولت مجموعة من المشاركين في أشغاله الاعتداء على رئيس جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عادل العلمي (داعية إسلامي) بعدما اتهمه بعض الحاضرين بالتسبب في أعمال عنف عبر خطبه «التحريضية» ومواقفه «المعادية للحريات»، بحسب زعمهم. واحتجاجاً على هذه الحادثة انسحبت حركة «النهضة» الحاكمة وحزب «المؤتمر» (حزب رئيس الجمهورية) وعدد آخر من الأحزاب رفضاً لما اعتبروه «نزعة الإقصاء والانفراد» بالمؤتمر لدى بعض الأطراف، بحسب ما صرحت به قيادات نهضوية. وشدد عضو المكتب التنفيذي لحركة «النهضة» نور الدين العرباوي في تصريح إلى «الحياة» على أن حركته تقف ضد العنف والإرهاب وحاولت قصارى جهدها إنجاح مؤتمر مناهضة العنف وشاركت في التحضيرات المادية والأدبية له لكنها «لاحظت توجهاً نحو الهيمنة والإقصاء». وأضاف العرباوي أن الشعارات التي رُفعت في قاعة المؤتمر استهدفت حركة «النهضة» واتهمتها بالتواطؤ مع العنف والإرهاب، إذ رفع عدد من المشاركين المحسوبين على «الجبهة الشعبية» (تحالف اليسار والقوميين) شعارات تتهم النهضة باغتيال المعارض العلماني شكري بلعيد في 6 شباط الماضي من قبيل «أكيد أكيد الغنوشي قتل بلعيد». وكانت «النهضة» قد سارعت إلى إدانة اغتيال بلعيد ورفضت أي محاولة من المعارضة لربطها بالجريمة التي قالت وزارة الداخلية إن متشددين مشتبهاً بهم يقفون وراءها. وذهب زعيم «النهضة» الشيخ راشد الغنوشي إلى التهديد بمقاضاة من يحاول أن يربط بين حركته وبين قتل المعارض الذي كان شديد الانتقاد للإسلاميين. في المقابل، أكدت مصادر من لجنة إعداد المؤتمر ل «الحياة» أن حركة «النهضة» استغلت حادثة طرد رئيس جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتبرر انسحابها من المؤتمر الذي كان يُتوقع أن يُصدر بياناً ختامياً يدعو فيه إلى حل رابطات حماية الثورة التي يتهمها معارضون وحقوقيون بالتورط في أعمال عنف أبرزها قتل عضو حركة «نداء تونس» (العلمانية) لطفي نقض. وترفض حركة «النهضة» الموافقة على حل رابطات حماية الثورة التي اعتبرها الشيخ الغنوشي في وقت سابق «ضمير الثورة». وتصر قيادات نهضوية ووزراء في الحكومة على أن حل أي جمعية لا يتم إلا عبر القضاء. وانتقدت حركة «نداء تونس» المعارضة التي يرأسها الوزير الأول السابق الباجي قايد السبسي إعلان أحزاب سياسية بينها «النهضة» الانسحاب من مؤتمر مناهضة العنف والإرهاب، واعتبرت في بيان أن ذلك يُعتبر «مواصلة لسياسة الهروب إلى الأمام وتنصلاً من الالتزامات المتفق عليها ورفضاً مسبقاً للالتزام بالميثاق الوطني الذى سيقع الإعلان عنه في اختتام المؤتمر». وعلى رغم أن عدداً من الملاحظين يعتبر أن المؤتمر فشل منذ بدايته بانسحاب أحزاب حاكمة وبالاحتقان الذي رافق أشغاله ما ترك انطباعاً سيئاً لدى الرأي العام، إلا أن القائمين على المؤتمر شددوا على أنه واصل أشغاله بصورة طبيعية وستتشكل عنه لجنة لمتابعة توصياته.