عاشت تركيا ليلة من أكثر الليالي توتراً في تاريخها، وصفتها صحيفة «حرييت» الواسعة الانتشار «بالليلة السوداء» بعد اندفاع عشرات الآلاف من المواطنين إلى الشوارع في مدن عدة للاحتجاج على فض اعتصام حديقة «غازي بارك» في ساحة تقسيم في اسطنبول بالقوة من قبل رجال الأمن والشرطة وإلقاء القبض على العشرات من المعتصمين هناك وحصار آخرين في فندق دادامان القريب حتى فجر الأحد. ووفق بيان وزارة الداخلية اندلعت تظاهرات في عشر مدن تركيا أكبرها كان في اسطنبولوأنقرة وإزمير وفي اسكيشهر التي خرج فيها أكثر من 30 ألف متظاهر دفعة واحدة، فيما أغلق متظاهرون في اسطنبول شوارع رئيسة واندفعوا نحو ميدان تقسيم للتظاهر هناك. أما أنقرة فانتهت فيها التظاهرات في الرابعة فجراً. وكان الأمن تحرك لفض اعتصام «غازي بارك» بعد ساعتين من انتهاء خطاب أردوغان في حفل انتخابي في أنقرة هدد فيه المعتصمين بالتدخل المباشر ما لم يخلوا الحديقة بحلول ظهر أمس الأحد. ولوحظ استخدام أردوغان تعابير سياسية خلط فيها الهاجس الديني بقوة، حيث «شكك في إسلام» المتظاهرين قائلاً: «تطاولوا على محجباتنا فصبرنا، ودنسوا مساجدنا وصبرنا، وشربوا الخمر في مساجدنا وصبرنا، لكن لن نسمح لهم بذلك بعد اليوم». أتى ذلك غداة استخدامه عبارة استنفرت الساحة السياسية التركية بوصفه قتلى تفجير الريحانية على الحدود السورية بأنهم «من أبنائنا السنّة»، وهي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول في تركيا العلمانية عن تمييز في هوية المواطنين على أساس طائفي في هذا الشكل. وفيما علق الناطق باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم على فض اعتصام «غازي بارك»، بأن مهمة الأمن هي توفير الأمن للمواطنين وأن الاعتصام زاد عن حده ولا مبرر له بعد قبول أردوغان طلبات المتظاهرين، اتجهت سهام الغضب إلى محافظ اسطنبول حسين عوني متلو الذي كان دخل في حوار إيجابي مع الشباب المعتصمين ووعدهم بعدم اقتحام الساحة، لكن المحافظ خرج ليقول إن الاقتحام تم بالتنسيق مع المعتصمين الذين تركوا الحديقة بمحض إرادتهم، فيما بقيت فيها «قلة من المتطرفين والإرهابيين»، وهو ما نفاه المعتصمون واستشهدوا بصور الاقتحام. واعتقلت أجهزة الأمن أطباء حاولوا إسعاف نزلاء فندق دادامان من السياح والنشطاء المعتصمين وكذلك محامين خرجوا للتظاهر دعماً للمحتجين. وانتقدت جهات حقوقية استخدام الشرطة العنف المفرط ومواد كيماوية حارقة في المياه التي تستخدم لتفريق المحتجين والتي تسبب حروقاً وحساسية لدى كثيرين، فيما نفى المحافظ وجود مثل هذه المواد في المياه لكنه اعترف بأنها مياه خاصة وتحتوي على «أدوية علاجية» رفض الكشف عن تركيبتها. في المقابل، استمر رئيس الوزراء على رغم الكثير من الانتقادات حتى من داخل حزبه وممن التقى به من نشطاء وفنانين خلال الأسبوعين الماضيين، في عقد المهرجانات الانتخابية وتوجه إلى اسطنبول حيث حشد مئات الآلاف من الناخبين تحت عنوان «الإرادة الحقيقية للشعب». وصب جام غضبه على الغرب والإعلام الدولي الذي قال إنه «يشوه الحقائق ويشارك في مؤامرة ضد تركيا». ورأى معلقون أتراك أن تصعيد أردوغان لهجته وعباراته القومية والدينية، يهدف إلى رص صفوف ناخبيه من أجل الحشد الإعلامي والسياسي وأنه سيبقي على التوتر السياسي قائماً حتى موعد الانتخابات البلدية المقبلة في آذار (مارس) من العام المقبل، من أجل الاستفادة القصوى من هذه الأجواء. لكن المراقبين حذروا من أن هذه السياسة ستقسم تركيا وستزيد الاستقطاب فيها والتوتر.