رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    وزير الموارد البشرية: 5% مستهدف البطالة بحلول 2030    السواحه: 15% مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي    وزير الرياضة : 80 فعالية عالمية زارها أكثر من 2.5 مليون سائح    البنيان: رصدنا أكثر من 166 مشروعا تعليميا في 2025    "أنا المدينة".. تجربة واقع افتراضي تنقل الزوار إلى العهد النبوي    نائب أمير الشرقية يستقبل جمعية"ترابط" ويرأس اجتماع مجلس إدارة هيئة تطوير الأحساء    الكهموس: المملكة جعلت مكافحة الفساد ركيزة أساسية لتحقيق رؤية 2030    وزير الطاقة يعقد اجتماعًا ثلاثيًا مع نائب رئيس الوزراء الروسي ووزير الطاقة الكازاخستاني    المملكة ضيف شرف لمنطقة الشرق الأوسط في معرض «أرتيجانو إن فييرا» بإيطاليا    نائب وزير الصحة يستعرض إنجازات "مستشفى صحة الافتراضي" ضمن ملتقى ميزانية 2025    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية لتشغيل مركز الأطراف الصناعية في مأرب    شراكة تعاونية بين جمعية البر بأبها والجمعية السعودية للفصام (احتواء)    توقيع مذكرة لجامعة الملك خالد ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    السفير الجميع يقدم أوراق اعتماده لرئيس إيرلندا    محفظة التصدير تتجاوز 30 مليار ريال وتقديرات الثروات التعدينية ترتفع إلى 2.5 تريليون ريال    المملكة تشارك في اجتماعات الدورة ال29 لمؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    هدنة لبنان.. انسحابات وإعادة انتشار    انتقادات من جيسوس للتحكيم بعد مواجهة السد    الأونروا تحذّر من وصول الجوع إلى مستويات حرجة في غزة    بدء تشغيل الخطوط الجوية الفرنسية Transavia France برحلات منتظمة بين السعودية وفرنسا    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    الأمم المتحدة تدعو إلى تحرك دولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني    عامان للتجربة.. 8 شروط للتعيين في وظائف «معلم ممارس» و«مساعد معلم»    الشتاء يحل أرصادياً بعد 3 أيام    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    هؤلاء هم المرجفون    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جوزيبي سكاتولين بين الحوار الديني والتصوّف
نشر في الحياة يوم 15 - 06 - 2013

بعد كتابه البديع «التجليات الروحية في الإسلام» يعود المستشرق الإيطالي الأب جوزيبي سكاتولين، من رهبنة الكومبنيان والأستاذ في المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في روما PISAI، ليقدم عملاً فكرياً من أعمال الحوار الديني والتصوف، والهدف عنده كما يتضح من صفحات الكتاب هو «ثورة روحية متجددة» في زمن الرأسمالية المتوحشة والعولمة المفترسة للإنسانيات.
لمن يكتب سكاتولين؟ لكل باحث صبور عن الحق، حتى يتجلى له الحق، وفيه تتجلى ذاته.
يصدر المتصوف والمستشرق الإيطالي كتابه بعبارات من بسكال «ما كنت لتبحث عني إن لم تكن قد وجدتني، ولم تكن قد وجدتني إن لم أكن أنا قد وجدتك». تأملات سكاتولين في كتابه الجديد نتيجة سنين من الدراسات والتفكير والتدبر في مجال الحوار والتصوف والعلاقة بينهما، وليست مجرد دراسات أكاديمية معمولة بين الكتب.
الجزء الأول من الكتاب يتطرق إلي موضوع الحوار الديني مع إبراز بعض من الملامح الأساسية لمضمونه وأبعاده في واقع حياتنا البشرية في عصرنا هذا، وهو عصر العولمة والقرية العالمية.
ومن خلال قراءة هذا الجزء يستطيع القارئ أن يدخل في لب قضية الحوار الديني وأهمية الحياة الروحية فيه، إذ تمثل في رأي الكاتب بعداً مهماً لحوار ديني مثمر.
أما الجزء الثاني فينقل القارئ إلى عالم التصوف أو الحياة الدينية الروحية، التي تمثل البعد الأسمى والأعمق في كل دين من الأديان العالمية، فهذه مادة واسعة لا يمكن إيجازها في بعض السطور.
في كتاب الأب سكاتولين مواجهة عقلانية لإشكالية كبرى في عالم الفكر الصوفي، تلك المتصلة بفهم النصوص بحسب مضمونها الحقيقي، لا بحسب أفكار أو تصورات غربية أو أجنبية عنها، ناتجة من تصرف تعسفي، فيه الكثير من السطحية أحياناً، وبذلك يأخذنا الراهب الكمبوني إلي قضية «هرمنيوطيقا النصوص الصوفية التي شغلت ولا تزال تشغل الفلاسفة والمفكرين على مستوى العالم أجمع، وفي هذا السياق يقترح المؤلف تبصره الخاص في هذا الموضوع على أساس عمله الواقعي الذي أجراه على قراءة وفهم الأشعار الصوفية للشاعر الصوفي العظيم عمر بن الفارض (ت 632ه/1235م).
وحتى يوضح الأب سكاتولين رؤيته في أبعاد الحياة الروحية أو التصوف، يقدم نموذجاً ملموساً لهذه الحياة الروحية مأخوذاً من الديانتين، المسيحية والإسلام.
أما عن الديانة المسيحية فاختار المفكر المسيحي البارز أوريجانوس (ت 253 أو 254م) الذي يعتبر من مؤسسي الفكر الروحي الصوفي في المسيحية.
وأما عن الديانة الإسلامية فاختار الشاعر الصوفي المصري عمر بن الفارض الذي يعتبر من أبرز أعلام الخبرة الصوفية في الإسلام.
ولعل المثير الذي يكتشفه القارئ للكتاب هو أن نقطة التقارب بين خبرتين مختلفتين كتلك التي لاوريجانوس وهذه التي لابن الفارض تقع في اختيارهما طريق الحب الإلهي باعتباره الطريق المفضل لبلوغ غايتهما القصوى، ألا وهي اللقاء مع الله. لذلك يقدم صاحب الكتاب تجربتيها الروحية كنموذج للتشابه بل وللتواصل بين الروحانيات المختلفة مهما تباعدت مكاناً وزماناً... هل من مردود حياتي عصراني لمثل هذه الرؤية؟
بالقطع نعم، ففي النهاية سيبدو جلياً أن الخبرة الروحية الحقيقية تمثل أرضية واسعة للتقارب بل للتفاهم والتعاون بين أصحاب الأديان المختلفة، وهذا عمل في تقدير المؤلف يعد غاية في الأهمية في عصرنا لبناء إنسانية جديدة متجددة قادرة على التصدي لأخطار عصرنا الجسيمة الناتجة من عملية عولمة تسويقية صرفة مهيمنة على آفاقنا الحضارية من ناحية ومن عودة روح القبليات المتعصبة المتطرفة من ناحية أخرى.
قراءة صفحات الكتاب وعبر المقالات المختلفة يقودنا إلي حقيقة مهمة للغاية يتوخى الكاتب أن تصل للأعماق الوجدانية لأي قارئ وكل قارئ، وهي أن الدخول في الحوار الديني لا يعني وضع الرؤية الإيمانية الخاصة بكل طرف منه بين قوسين، وكأن هناك عالماً حيادياً بين تلك الأديان المختلفة لا علاقة لها به فهذا موقف أصبح الآن مرفوضاً أكثر فأكثر عند المشتركين في اللقاءات الحوارية الدينية.
وعلى العكس من ذلك كما يبين أكثر من مرة أنه على كل طرف أن يدخل في الحوار الديني بإيمانه الخاص، بغير تنكر. إلا أنه يجب في نفس الوقت أن ينفتح كل طرف في الحوار من داخل إيمانه على التعرف، بل التفاهم والتواصل مع الآخر المختلف، فهذا الاختلاف يمثل بلا شك غنى ثميناً لا يقتصر في الحوار الديني.
هل تطابق قراءات ومقالات سكاتولين المفهوم السابق الذي ينبه إليه؟
إنه كذلك بالفعل إذ يجد القارئ في أبحاثه ما يعبر عن إيمانه المسيحي، كما تعلمه داخل جماعته المسيحية ويعيشه في حياته الواقعية بغير تحفظ، إلا أنه في نفس الوقت يحاول باذلاً أقصى جهده بأمانة وجدية أن يتقارب من الأديان الأخرى، وبخاصة الدين الإسلامي، بكل احترام وموضوعية، بل بكل تقدير ومحبة حتى درجة الإعجاب لما يجد فيه - على حد تعبيره - من ثروات روحية عميقة، تستحق أن تكون في متناول جميع الناس، مسلمين كانوا أم غير مسلمين، إذ أنها تمثل جزءاً لا يتجزأ من التراث الروحي الإنساني.
والثابت أن التفكير على هذا النحو لموقف جديد في العلاقات البين- دينية عامة، وتلك التي بين الديانتين المسيحية والإسلامية بصفة خاصة.
في هذا الإطار يذهب سكاتولين إلي وجوب الاعتراف من قبل الكل وبكل صراحة وشجاعة بأنه غالباً ما ساد في الماضي على علاقتنا المتبادلة الكثير، بل الكثير جداً، من المواجهات والصدامات العنيفة، بل ومن الحروب المدمرة بكل وحشيتها.
ويتساءل... هل هذا كان مفهوم الدين عند أجدادنا؟ كيف نبرر ضميرنا بل قل ضمير التاريخ، من تلك التراكمات الضخمة من العنف والقتل والدمار التي جرت على أيدينا باسم الدين؟
يقر الكاتب بأنه ليس هناك طرف برئ في هذا الشأن، وأن إنكار الحقائق التاريخية ليس بمفيد، إذ لا يغيره بلا شك، أن هذه الحقيقة التاريخية تجعلنا نفكر في ما قاله فيلسوف روماني عاش في القرن الأول قبل الميلادي وهو «طيطس لوكريسيوس كاروس» (ت 50ق.م تقريباً) معلقاً على عمل وحشي ارتكبه الملك اليوناني أجاممنون عندما قدم أبنته «أيفيجينيا» ذبيحة للآلهة لضمان سلامة سفر الأسطول اليوناني نحو طروادة في حربها الشهيرة، حيث دان مثل ذلك الدين الذي أباح مثل هذا العمل البشع. وكان هذا إنذاراً قوياً لخطر جسيم يواجهه كل دين وهو استعمال الدين لغير غايته من أمثال أغراض سياسية أو مصالح اقتصادية.
لذلك يري المستشرق الإيطالي الأصل، أنه لا بد من ثورة عميقة تبدأ في داخل كل إنسان، خصوصاً في كل من يدعي بأنه متدين مؤمن، صورة أسماها في عنوان كتابه «ثورة روحية متجددة» لكي تتخلي إنسانيتنا المعاصرة عن تلك التبعية الثقيلة من الصدامات والحروب والقتل والدمار، فتدخل في عصر جديد، عصر يعيش فيه الناس في عالم أكثر أخوة وعدالة ومحبة. كيف للحلم أن يتحقق؟
لا يمكن في واقع الحال ذلك إلا من خلال ثورة روحية جادة تنفذ إلى صميم قلب كل إنسان فتغيره من أساسه، مستأصلة منه كل جذور الشر وزارعة فيه كل بذور الخير. هكذا سيفتتح كل إنسان على أخيه الإنسان الآخر المختلف ويحتضنه بكل العواطف الإنسانية الحقيقية.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.