القيادة تهنئ رئيس مدغشقر    الجدعان يختتم مشاركته في «منتدى التنمية» واجتماع المجلس الوزاري لصندوق الأوبك    «مسيرة بحرية»    صالة جديدة بمطار حائل تستوعب 450 مسافراً يومياً    "أرامكو" الأكبر عالمياً باحتياطيات النفط والغاز    "تاسي" يتراجع وسهم أرامكو يرتفع    بوليفارد لكل منطقة سعودية    جيريرو يواصل كتابة التاريخ مع بيرو    تأشيرة إلكترونية لحاملي تذاكر "الرياضات الإلكترونية"    وزير الداخلية: مستمرون في التصدي لكل ما يهدد أمن الوطن    يسرا وأحمد عز يفتتحان ستارة مسرحية «ملك والشاطر»..    ألمانيا تدعو رعاياها إلى مغادرة لبنان «بشكل عاجل»    رونالدو أساسيا في تشكيلة برتغالية مغايرة لمواجهة جورجيا ببطولة أوروبا    الرياض تحتضن انطلاق منافسات بطولة آسيا للسنوكر 2024    تحسين للمشهد الحضري بالنبهانية    زيلينسكي يضع قائدًا جديدًا لحماية دونيتسك من القوات الروسية    المملكة ضيف شرف بمعرض سول للكتاب    المفتي يستقبل الشثري    الفريق المشترك للتحالف يفند مزاعم استهداف مواقع مدنية في صعدة مأرب    سمو محافظ الخرج يكرم الجهات المشاركة في مركز خدمة ضيوف الرحمن بالمحافظة    النائب العام يلتقي السفير القطري لبحث سبل التعاون في المجالات العدلية والقضائية    أمير تبوك يستقبل مدير محطة الخطوط السعودية بالمنطقة    بر الشرقية توزع أكثر من 28 طن لحوم أضاحي على 2552 أسرة    بحث سبل التعاون الإحصائي بين المملكة والعراق    قطاع ومستشفى البرك يُفعّل حملة "التوعية بأضرار التبغ"    "هيئة الاتصالات" تصدر التقرير السنوي لأكاديمية التنظيمات الرقمية للعام 2023    القضاء الإداري يسمي رؤساء محاكم ويقر حركة التنقلات    أمين سر الفاتيكان من بيروت: عقد داخلية تمنع انتخاب الرئيس    اكتشاف نقش أثري ثنائي الخط في قرية علقان بتبوك    أرامكو و سيمبرا تعلنان عن اتفاقية لحقوق ملكية وشراء الغاز الطبيعي المُسال من المرحلة الثانية لمشروع بورت آرثر    مواجهات في رفح.. ومزاعم إسرائيلية عن تهريب أسلحة    148 عينة غذائية غير صالحة للاستهلاك بالمدينة    استمرار الحرارة الشديدة بالشرقية والرياض    "بر الرياض" تحتفل بنجاح أبناء المستفيدين.. وتكريم خاص لخريجي الثانوية    جوليان أسانج حط في أستراليا بعد الافراج عنه    أمير حائل يشيد بنجاحات موسم الحج    السر وراء الشعور بألم المعدة أثناء السفر    الرياض وبكين.. علاقات ممتدة    السعودية تتمدد في الرياضة الأوروبية وتقترب من تملّك «موناكو» الفرنسي    وزير الدفاع الصيني يستقبل سمو وزير الدفاع ويعقدان جلسة مباحثات رسمية    شباب جازان يتعرفون على فن "الزيفة"    هل اختراع العزلة هو السبيل للهروب من ثقل الأفكار؟    النصر يعلن رحيل حارسه وليد عبدالله    سقيا الحجاج والزوار بخير ماء على وجه الأرض    الأمير خالد بن سلمان يبحث تعزيز التعاون العسكري والدفاعي مع الصين    «إكس» تتيح البثّ المباشر بمقابل مادي قريباً    التخصصي ينظم مؤتمر دعم الدورة الدموية للجسم    تياترو    أمير تبوك يكرم المشاركين في أعمال الحج بحالة عمار    أمير الرياض يستقبل منتسبي « تراحم» والقسم النسوي بالإمارة    الجنديات السعوديات في موسم الحج    القنصل الصيني يشيد بنجاح موسم الحج    رحيل الأخوال    نهاية «حج بلا تصريح».. الرسالة وصلت!    عصام حجاوي: نحرص على المشاركة في كبريات سوق الدولية للإنتاج    حكايات إيسوب السعودية 2    القصيم: مركز الأمير سلطان للقلب ينقذ حياة موريتانية    المجلس الصحي: إيقاف البلاغات الورقية في حالات الوفاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جوزيبي سكاتولين بين الحوار الديني والتصوّف
نشر في الحياة يوم 15 - 06 - 2013

بعد كتابه البديع «التجليات الروحية في الإسلام» يعود المستشرق الإيطالي الأب جوزيبي سكاتولين، من رهبنة الكومبنيان والأستاذ في المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في روما PISAI، ليقدم عملاً فكرياً من أعمال الحوار الديني والتصوف، والهدف عنده كما يتضح من صفحات الكتاب هو «ثورة روحية متجددة» في زمن الرأسمالية المتوحشة والعولمة المفترسة للإنسانيات.
لمن يكتب سكاتولين؟ لكل باحث صبور عن الحق، حتى يتجلى له الحق، وفيه تتجلى ذاته.
يصدر المتصوف والمستشرق الإيطالي كتابه بعبارات من بسكال «ما كنت لتبحث عني إن لم تكن قد وجدتني، ولم تكن قد وجدتني إن لم أكن أنا قد وجدتك». تأملات سكاتولين في كتابه الجديد نتيجة سنين من الدراسات والتفكير والتدبر في مجال الحوار والتصوف والعلاقة بينهما، وليست مجرد دراسات أكاديمية معمولة بين الكتب.
الجزء الأول من الكتاب يتطرق إلي موضوع الحوار الديني مع إبراز بعض من الملامح الأساسية لمضمونه وأبعاده في واقع حياتنا البشرية في عصرنا هذا، وهو عصر العولمة والقرية العالمية.
ومن خلال قراءة هذا الجزء يستطيع القارئ أن يدخل في لب قضية الحوار الديني وأهمية الحياة الروحية فيه، إذ تمثل في رأي الكاتب بعداً مهماً لحوار ديني مثمر.
أما الجزء الثاني فينقل القارئ إلى عالم التصوف أو الحياة الدينية الروحية، التي تمثل البعد الأسمى والأعمق في كل دين من الأديان العالمية، فهذه مادة واسعة لا يمكن إيجازها في بعض السطور.
في كتاب الأب سكاتولين مواجهة عقلانية لإشكالية كبرى في عالم الفكر الصوفي، تلك المتصلة بفهم النصوص بحسب مضمونها الحقيقي، لا بحسب أفكار أو تصورات غربية أو أجنبية عنها، ناتجة من تصرف تعسفي، فيه الكثير من السطحية أحياناً، وبذلك يأخذنا الراهب الكمبوني إلي قضية «هرمنيوطيقا النصوص الصوفية التي شغلت ولا تزال تشغل الفلاسفة والمفكرين على مستوى العالم أجمع، وفي هذا السياق يقترح المؤلف تبصره الخاص في هذا الموضوع على أساس عمله الواقعي الذي أجراه على قراءة وفهم الأشعار الصوفية للشاعر الصوفي العظيم عمر بن الفارض (ت 632ه/1235م).
وحتى يوضح الأب سكاتولين رؤيته في أبعاد الحياة الروحية أو التصوف، يقدم نموذجاً ملموساً لهذه الحياة الروحية مأخوذاً من الديانتين، المسيحية والإسلام.
أما عن الديانة المسيحية فاختار المفكر المسيحي البارز أوريجانوس (ت 253 أو 254م) الذي يعتبر من مؤسسي الفكر الروحي الصوفي في المسيحية.
وأما عن الديانة الإسلامية فاختار الشاعر الصوفي المصري عمر بن الفارض الذي يعتبر من أبرز أعلام الخبرة الصوفية في الإسلام.
ولعل المثير الذي يكتشفه القارئ للكتاب هو أن نقطة التقارب بين خبرتين مختلفتين كتلك التي لاوريجانوس وهذه التي لابن الفارض تقع في اختيارهما طريق الحب الإلهي باعتباره الطريق المفضل لبلوغ غايتهما القصوى، ألا وهي اللقاء مع الله. لذلك يقدم صاحب الكتاب تجربتيها الروحية كنموذج للتشابه بل وللتواصل بين الروحانيات المختلفة مهما تباعدت مكاناً وزماناً... هل من مردود حياتي عصراني لمثل هذه الرؤية؟
بالقطع نعم، ففي النهاية سيبدو جلياً أن الخبرة الروحية الحقيقية تمثل أرضية واسعة للتقارب بل للتفاهم والتعاون بين أصحاب الأديان المختلفة، وهذا عمل في تقدير المؤلف يعد غاية في الأهمية في عصرنا لبناء إنسانية جديدة متجددة قادرة على التصدي لأخطار عصرنا الجسيمة الناتجة من عملية عولمة تسويقية صرفة مهيمنة على آفاقنا الحضارية من ناحية ومن عودة روح القبليات المتعصبة المتطرفة من ناحية أخرى.
قراءة صفحات الكتاب وعبر المقالات المختلفة يقودنا إلي حقيقة مهمة للغاية يتوخى الكاتب أن تصل للأعماق الوجدانية لأي قارئ وكل قارئ، وهي أن الدخول في الحوار الديني لا يعني وضع الرؤية الإيمانية الخاصة بكل طرف منه بين قوسين، وكأن هناك عالماً حيادياً بين تلك الأديان المختلفة لا علاقة لها به فهذا موقف أصبح الآن مرفوضاً أكثر فأكثر عند المشتركين في اللقاءات الحوارية الدينية.
وعلى العكس من ذلك كما يبين أكثر من مرة أنه على كل طرف أن يدخل في الحوار الديني بإيمانه الخاص، بغير تنكر. إلا أنه يجب في نفس الوقت أن ينفتح كل طرف في الحوار من داخل إيمانه على التعرف، بل التفاهم والتواصل مع الآخر المختلف، فهذا الاختلاف يمثل بلا شك غنى ثميناً لا يقتصر في الحوار الديني.
هل تطابق قراءات ومقالات سكاتولين المفهوم السابق الذي ينبه إليه؟
إنه كذلك بالفعل إذ يجد القارئ في أبحاثه ما يعبر عن إيمانه المسيحي، كما تعلمه داخل جماعته المسيحية ويعيشه في حياته الواقعية بغير تحفظ، إلا أنه في نفس الوقت يحاول باذلاً أقصى جهده بأمانة وجدية أن يتقارب من الأديان الأخرى، وبخاصة الدين الإسلامي، بكل احترام وموضوعية، بل بكل تقدير ومحبة حتى درجة الإعجاب لما يجد فيه - على حد تعبيره - من ثروات روحية عميقة، تستحق أن تكون في متناول جميع الناس، مسلمين كانوا أم غير مسلمين، إذ أنها تمثل جزءاً لا يتجزأ من التراث الروحي الإنساني.
والثابت أن التفكير على هذا النحو لموقف جديد في العلاقات البين- دينية عامة، وتلك التي بين الديانتين المسيحية والإسلامية بصفة خاصة.
في هذا الإطار يذهب سكاتولين إلي وجوب الاعتراف من قبل الكل وبكل صراحة وشجاعة بأنه غالباً ما ساد في الماضي على علاقتنا المتبادلة الكثير، بل الكثير جداً، من المواجهات والصدامات العنيفة، بل ومن الحروب المدمرة بكل وحشيتها.
ويتساءل... هل هذا كان مفهوم الدين عند أجدادنا؟ كيف نبرر ضميرنا بل قل ضمير التاريخ، من تلك التراكمات الضخمة من العنف والقتل والدمار التي جرت على أيدينا باسم الدين؟
يقر الكاتب بأنه ليس هناك طرف برئ في هذا الشأن، وأن إنكار الحقائق التاريخية ليس بمفيد، إذ لا يغيره بلا شك، أن هذه الحقيقة التاريخية تجعلنا نفكر في ما قاله فيلسوف روماني عاش في القرن الأول قبل الميلادي وهو «طيطس لوكريسيوس كاروس» (ت 50ق.م تقريباً) معلقاً على عمل وحشي ارتكبه الملك اليوناني أجاممنون عندما قدم أبنته «أيفيجينيا» ذبيحة للآلهة لضمان سلامة سفر الأسطول اليوناني نحو طروادة في حربها الشهيرة، حيث دان مثل ذلك الدين الذي أباح مثل هذا العمل البشع. وكان هذا إنذاراً قوياً لخطر جسيم يواجهه كل دين وهو استعمال الدين لغير غايته من أمثال أغراض سياسية أو مصالح اقتصادية.
لذلك يري المستشرق الإيطالي الأصل، أنه لا بد من ثورة عميقة تبدأ في داخل كل إنسان، خصوصاً في كل من يدعي بأنه متدين مؤمن، صورة أسماها في عنوان كتابه «ثورة روحية متجددة» لكي تتخلي إنسانيتنا المعاصرة عن تلك التبعية الثقيلة من الصدامات والحروب والقتل والدمار، فتدخل في عصر جديد، عصر يعيش فيه الناس في عالم أكثر أخوة وعدالة ومحبة. كيف للحلم أن يتحقق؟
لا يمكن في واقع الحال ذلك إلا من خلال ثورة روحية جادة تنفذ إلى صميم قلب كل إنسان فتغيره من أساسه، مستأصلة منه كل جذور الشر وزارعة فيه كل بذور الخير. هكذا سيفتتح كل إنسان على أخيه الإنسان الآخر المختلف ويحتضنه بكل العواطف الإنسانية الحقيقية.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.