«عدونا لا أمان له»، عبارة يردّدها الآباء والأجداد الفلسطينيون عن الجيش الإسرائيلي. و«يوماً بعد الآخر ثبت لنا الأيام أن عدونا غادر وحاقد، وينتظر اللحظة المناسبة ليوقع عشرات القتلى والجرحى»، يقول الحاج محمد أبو جامع، وهو جدّ عائلة قُتل جميع أفرادها خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة. في الطريق إلى الحي التي تقطن فيه العائلة المنكوبة في بلدة بني سهيلا، شرق مدينة خان يونس (قطاع غزة)، تبدو صور الموت والدمار في كل شي تقريباً: الأشجار التي اقتلعت من مكانها، والطريق التي تغيرت معالمها، والبيوت المدمّرة والمتضررة جراء القصف.. وفي منزل عائلة أبو جامع لا أثر لحياة طبيعية، بينما لا تزال بادية آثار الصاروخ الذي فتك بأجساد 27 من أفراد العائلة، بينهم 7 أطفال. ففي واحدة من الطبقات الثلاث التي تشكّل المبنى، كان أفراد العائلة مجتمعين عندما استهدفهم القصف. استغرقت عملية إنقاذهم أكثر من عشرين ساعة، وتمكّنت فرق الإسعاف من انتشال جثامين 8 شهداء في الساعات الأولى للمجزرة، ولم يتمكنوا إلا في الصباح التالي من إخراج جثامين بقية الضحايا، وقد تحولت إلى أشلاء. يقول الجدّ أبو جامع، في سرده لما حدث لأحفاده (أورد ابنه): «انتظرت طائرة ال إف16 الحربية تجمّع العائلة على مائدة الإفطار، خلال شهر رمضان وألقت عليهم قنبلة كبيرة من المتفجرات، مزقت أجساد الجميع، بما فيهم الأطفال والنساء». مصير هذه العائلة يشبه مصائر عدد من العائلات الفلسطينية التي مزقتها الطائرات الحربية الإسرائيلية. فعائلة كوارع قضت بكاملها، وكذلك عائلات صيام، والحاج، والقصاص، والبطش، ومعمر، وشهداء حي الشجاعية، وأغلبهم من الأطفال والنساء، والبقية من المدنيين والمسنين. يقول أحمد أبو جامع، ابن عم الضحايا: «مع رفع أذان المغرب، وتجمّع العائلة للإطار، دوّى صوت انفجار قوي جداً. ومع تساقط الشظايا وبقايا الإسمنت فوق بيتنا، هرعنا إلى خارج البيت لمعرفة مكان سقوط الصاروخ، فلم نر أي شيء بسبب كثافة الغبار التي تركها الصاروخ». ويضيف بصوت خافت: «بعدما انقشع الغبار الكثيف، كانت الكارثة والمصيبة. بيت عمي المكوّن من ثلاثة طبقات تحوّل إلى ركام، وأفراد العائلة جميعهم بداخله، لم يخرج منهم أحد، ولم يحذّرهم الاحتلال الإسرائيلي القاتل قبل قصف المنزل وتدميره بالكامل. الجميع ماتوا قبل أن يتناولوا إفطارهم».