يقول "أبو محمد" أمام مبنى مدمر بالكامل في بيت لاهيا شمال قطاع غزة المحاصر "وكأنه زلزال بقوة عشر درجات"، موضحاً انه يبحث عن حي كان يعيش فيه منذ سن الخامسة من العمر "لكنني لم أعثر عليه". والرجل البالغ من العمر 37 عاماً واحد من أهل غزة الذين انتهزوا فرصة توقف القصف الاسرائيلي في اطار الهدنة في الاعمال القتالية التي دخلت حيز التنفيذ صباح السبت في القطاع ليعاينوا خسائرهم. وفي كل مكان من القطاع، اكتشف السكان حجم الدمار بعد عودتهم الى احيائهم التي نزحوا عنها بسبب القصف الاسرائيلي الوحشي. ويقول أبو محمد "لم يعد لدينا اي مأوى في المنطقة". وقبل دخول الهدنة بين المقاومة و(اسرائيل) حيز التنفيذ فجر السبت قصفت طائرات حربية اسرائيلية منزل عائلة النجار التي قتل 22 من أفرادها بينهم عشرة اطفال في خانيونس جنوب قطاع غزة. وفي مكان المبنى المكون من اربع طبقات، لم يتبق سوى حفرة ودمار وقطع معدنية وملابس مبعثرة.. وجثث كان الجيران والعائلة يقومون بانتشالها من تحت الانقاض. وأمام ركام المبنى في شارع الشيخ ناصر تنتحب سيدة من الجيران وتقول "كانوا نائمين.. ماذا فعلوا؟"، بينما تصرخ اخرى في الخامسة والثمانين من العمر وسط حشد من النساء والاطفال الذين يحاولون مواساتها "كل افراد عائلتي ابنائي واحفادي ماتوا". وفقد حفيدها "حسين" وهو في الثلاثين من العمر ابنيه وزوجته الحامل في شهرها الخامس. ويقول وقد بدا مصدوماً وفي حالة ذهول "كنت على الشرفة في الطابق الثاني عندما أصابت قذيفة المبنى". وادى القصف الى سقوطه عن الشرفة. وقد ضمدت عينه ولفت ساقاه بينما تغطي جروح ذراعيه. من جهته، قال سالم النجار (30 عاماً) الموظف في الأمن الوطني في السلطة الفلسطينية أن "البيت كان يضم 41 شخصا غالبيتهم من الاطفال (...) ما حدث مجزرة. انتشلناهم من تحت الردم. لا اعرف من مات ومن اصيب". اما عماد الرقب (27 عاماً) وهو سائق سيارة أجرة فقال إن: "ما حصل مجزرة لا مثيل لها. القتل مقصود يريدون ان يدمروا كل البيوت في هذه المنطقة لأنها قريبة من الحدود. قتلوا عائلة النجار (...) حتى يرعبوا الناس ليهربوا من المنطقة وليشعروا بالخوف حتى بعد الحرب". واضاف ان "الاشلاء في كل مكان ودماء على الحجارة وفي الشارع وبعض الاشلاء مختلطة لا نعرف لمن من الشهداء". وفي خانيونس كما في غيرها استمرت الضربات الجوية لاضعاف القدرة العسكرية لحركة المقاومة الاسلامية (حماس) حتى دخول الهدنة حيز التنفيذ في الساعة الثامنة (الخامسة بتوقيت غرينتش) من السبت. وهذه الهدنة، قررت اسرائيل تمديدها حتى منتصف ليل الاحد الاثنين. الا ان المقاومة رفضت هذا التمديد واستأنفت اطلاق الصواريخ مطالبة بانسحاب قوات الغزو الاسرائيلية من القطاع حيث قتل في العدوان الاسرائيلي اكثر من ألف فلسطيني، غالبيتهم العظمى من المدنيين. وفي الشجاعية الضاحية التي قصفت شرق المدينة ينهار رجل امام ما كان منزله بينما يضع آخر قناعاً طبياً على وجهه امام الركام. ومع توقف اطلاق النار، تسارع احصاء القتلى في القطاع حيث تم انتشال جثث 150 شخصاً بعضها من تحت الانقاض، واخرى يغطيها الغبار وملقاة في الشوارع وفي بعض الاحيان تحيط بها بركة من الدماء التي جفت بالقرب من جيف حيوانات. فقد انتشل مسعفون جثامين 147 فلسطينيا قتلوا في العدوان الاسرائيلي منذ بدئه في الثامن من تموز/يوليو الجاري، لترتفع حصيلة ضحاياه الى حوالى 1050 شهيداً فلسطينيا معظمهم من المدنيين، وحوالي ستة آلاف جريح، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. ويقوم كثيرون بتفتيش الانقاض ويرحلون حاملين معهم اشياء بسيطة من بطانيات او ملابس. ويقول خضر سكر وهو من سكان الشجاعية "نخاف من كل هذه القنابل التي لم تنفجر على الاسطح ومن الالغام في الارض". وتبدو عملية اعادة الاعمار مهمة هائلة. فقد قالت الاممالمتحدة: ان اكثر من 3300 عائلة اي حوالي عشرين ألف شخص دمرت بيوتهم بالكامل. ولجأ اكثر من 160 ألف شخص الى مكاتب الأممالمتحدة، اي نحو عشرة بالمئة من السكان. وفي الخزاعة جنوب شرق القطاع، يكشف خزان متفحم ان النقص في المياه الذي تعاني منه غزة سيتفاقم. وتقول الاممالمتحدة ان 1.2 مليون من سكان غزة لا يحصلون اطلاقا او يحصلون على كميات محدودة جدا من المياه. وعلى الطريق بين غزة وخانيونس، يهرع الناس لشراء مواد غذائية ومحروقات وسط سيارات الاسعاف التي تمر بالمكان ذهابا وايابا. وفوق رؤوسهم لا ينقطع هدير الطائرات الذي يذكرهم بالتهديد بلا توقف. فلسطيني ينتشل مصاحف من بين أنقاض المنازل في بيت حانون شمال غزة (أ.ب) ملاهي الأطفال لم تسلم من التدمير الإسرائيلي (أ.ف.ب)