في طائرة عسكرية، واستقبال رسمي كبير، وقناعة عامة بأن التهدئة وإدارة الخلاف أقصى ما يمكن تحقيقه، حط رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي في أربيل، عاصمة إقليم كردستان، ليدشن مرحلة أقل تشنجاً في العلاقة مع رئيس الإقليم مسعود بارزاني. وكان المالكي وبارزاني استبقا الزيارة الأولى من نوعها منذ نهاية آب (أغسطس) 2010 بتصريحات شديدة اللهجة. استفز المالكي الأكراد بتأكيده أن «لا شيء اسمه حق تقرير المصير»، واستفز بارزاني بغداد بالقول إن جولة المفاوضات هي «الأخيرة وسيتخذ الإقليم في حال فشلها خطوات جديدة». في هذه الأجواء لم يكن هناك مؤشرات إلى حلول للأزمات المتراكمة، ومنها الأزمة بين بغداد وأربيل، لكنها تندرج في إطار تنقية الأجواء التي بدأها زعيم «المجلس الإسلامي الأعلى» عمار الحكيم في ما أطلق عليه «اللقاء الرمزي» للزعماء العراقيين. وشدد الزعيمان خلال المؤتمر الصحافي الذي عقداه، وهما من الصقور في العملية السياسية، على أن الخلافات بينهما ليست شخصية. ورد المالكي، ضمناً، على تصريحات بارزاني عن «الفرصة الأخيرة»، فقال: «إذا لم نتمكن من حل الإشكالات، فإننا سنستمر في اللقاءات»، وأضاف أن «الحلول الجذرية تحتاج إلى مقدمات فيها أجواء من التفاهم والثقة المتبادلة والنية في أن نصل إلى حلول ثم نضع المعوقات على الورق ونتحرك بها واحدة واحدة، إنني لا أملك أنا أو الأخ بارزاني العصا السحرية». في المؤتمر ذاته أشار الطرفان إلى اتفاق «النقاط السبع» الذي أبرم قبل أسابيع في بغداد، لإيجاد أرضية لحل القضايا العالقة، وأبرزها المناطق المتنازع عليها ومنها كركوك، ودور «البيشمركة»، وقانون النفط والغاز، وعقود النفط الكردية. التساؤل الذي دار على هامش اللقاءات، ركز على احتمال إعادة إحياء ما عرف عراقياً عبر السنوات العشر الماضية ب «التحالف الكردي – الشيعي». لكن المتغيرات الداخلية والإقليمية لا تدعم مثل هذا التوجه، على المدى القريب، فكل الأطراف تنتظر الانتخابات بداية عام 2014 لتحديد أوزانها. يدرك المالكي وخصومه اليوم أن بقاء الأزمات على توترها الحالي يقرب البلاد من حرب أهلية جديدة، ويدركون أيضاً أن ذلك يحول دون إجراء انتخابات يتم التعويل عليها لحسم التوجهات المستقبلية فكان التوجه إلى التهدئة لا حل الأزمات هو الممكن الوحيد وقد يؤدي ذلك إلى استعادة أجواء الحوار الداخلي مستقبلاً. في كلمة أمام اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد في أربيل، أشار المالكي إلى هذه الأجواء، فحذر «من عودة شبح الحرب الطائفية» و «تأثيرات الصراعات الإقليمية في الداخل العراقي» وطالب باستعادة الحوار الوطني. طبيعة الأزمات المركبة التي تشتبك فيها توجهات متعارضة وعميقة الجذور بين القوى العراقية، إيجاد حلول لها، لكن لقاء بارزاني والمالكي والاجتماع الذي رعاه الحكيم، يشيران إلى نهاية مرحلة كسر العظم بين الأطراف، وإلى اقتناع بصعوبة إحداث تغيير عميق في الخريطة السياسية لذا كان التوجه إلى التهدئة وإدارة الخلاف لإبعاد «شبح الحرب الطائفية»، على ما قال المالكي.