شيّعت بنغازي، مهد الثورة الليبية ضد نظام معمر القذافي، عشرات الضحايا الذين سقطوا أول من أمس خلال ما أُطلق عليه «السبت الأسود» عندما وقعت مواجهات مسلحة خلال تظاهرة لمئات الشبان كانوا يطالبون بانسحاب ميليشيات مسلحة من مدينتهم. وفي حين بدت المدينة في صدمة جراء ما حصل، سعت الحكومة إلى تهدئة الاحتقان بتلبية مطلب المواطنين، إذ أعلنت فوراً أن الجيش تسلّم كافة مقرات قوات «درع ليبيا» التي كان المتظاهرون يحتجون أمامها عندما تم إطلاق الرصاص عليهم ما أدى إلى مقتل 31 شخصاً وإصابة 127 آخرين بجروح. وأعاد الحادث طرح مشكلة استمرار انتشار الميليشيات المسلحة في البلاد بعد سنة وثمانية شهور على سقوط النظام السابق. وبعض هذه الميليشيات يُفترض أنه بات جزءاً من مؤسسات الدولة الجديدة، لكن شريحة واسعة من المواطنين لا تبدو مقتنعة بذلك إذ تعتبرها تابعة بالإسم للحكومة لكنها تتصرف بوصفها جهازاً موازياً للأجهزة الرسمية. وهذا ما فجّر أحداث بنغازي السبت، إذ أن المتظاهرين أمام مقرات قوات «درع ليبيا» كانوا يعتبرونها فعلياً ميليشيا مسلحة، في حين أنها تعتبر نفسها جزءاً من وزارة الدفاع. ويُعتقد أن حكومة علي زيدان ستكون بعد أحداث بنغازي تحت ضغط شعبي للإسراع في بناء القوات الوطنية من جيش وشرطة، خصوصاً في ظل استياء المواطنين من استمرار انتشار الميليشيات المسلحة، وفي ظل مخاوف غربية من أن جنوب ليبيا بات ملجأ لجماعات مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» بعضها وصل من مالي إثر العملية العسكرية التي قادتها فرنسا ضد «الجهاديين» هناك. وأطاحت أحداث بنغازي رئيس الأركان العامة للجيش اللواء يوسف المنقوش الذي قدّم استقالته إلى المؤتمر الوطني العام الذي قبلها. وذكرت مصادر في رئاسة المؤتمر لوكالة الأنباء الليبية أن النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني الدكتور جمعة اعتيقة قرأ خلال الجلسة المسائية الأحد نص الاستقالة التي قدمها المنقوش كتابياً و «التي وافق عليها المؤتمر». ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة أن اللواء سالم القنيدي هو المرشح المحتمل لتولي منصب رئيس الأركان خلفاً للمنقوش. وذكرت الوكالة أن أهالي بنغازي شيّعوا ظهر امس «في موكب جنائزي مهيب» في مقبرة الهواري جثامين الضحايا الذين قُتلوا أمام مقر «كتيبة درع ليبيا» في منطقة الكويفية. وعلّق محمود شمام مسؤول الإعلام سابقاً في المجلس الوطني الانتقالي (خلال الثورة ضد القذافي) أن «فزاعة الفتنة لا تعفي المجرمين من العقاب... من يطلق الرصاص بهذه الكفاءة وهذه القسوة لا يملك عقلاً نحاسبه عليه». وأضاف في تعليق نشره على موقع «فايسبوك»: «ماذا يحتاج أمراء الحرب حتى يرفعوا أيديهم الثقيلة عن الشعب؟ الذين يميّعون الحقيقة باسم أن هناك فتنة لا يريدون الوصول إلى الحقيقة... بعد مذبحة السبت الأسود لا يمكن أن تعود ليبيا إلى نفس السياسات الفاشلة ورموزها».