عاش الشرق الليبي يوماً عصيباً أمس بعد مذبحة راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى معظمهم من المتظاهرين الذي كانوا يحتجون السبت أمام مقرات تابعة لقوات «درع ليبيا» في مدينة بنغازي مطالبين المسلحين فيها بالانسحاب وتسليم قواعدهم للجيش الليبي الوطني. وعلى رغم أن «درع ليبيا» يُفترض أنها جزء من وزارة الدفاع، فقد أعاد هذا الحادث الدموي الذي وصف ب «السبت الأسود» تسليط الأنظار على قضية انتشار الميليشيات المسلحة وتصاعد الغضب الشعبي منها، في ظل التأخر الواضح في بناء مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش والشرطة. وذكرت وكالة الأنباء الليبية أن حصيلة الاشتباكات التي وقعت بين عناصر كتيبة درع ليبيا ومتظاهرين في مناطق مختلفة من بنغازي ارتفعت إلى 31 قتيلاً. وذكر المكتب الإعلامي لمستشفى الجلاء في المدينة، أن ثلاثة أشخاص فارقوا الحياة صباح الأحد متأثرين بجروحهم ليرتفع العدد الكلي للقتلى إلى 31، إضافة إلى 127 جريحاً. وأوضحت الوكالة أن اشتباكات السبت اندلعت أمام مقر كتيبة درع ليبيا بمنطقة الكويفية. وأعلن الناطق باسم الغرفة الأمنية المشتركة في المدينة العقيد عبدالله الشعافي، أن عناصر الكتيبة الأولى من قوات «الصاعقة» سيطرت على مقر كتيبة قوات درع ليبيا وأنهت الاشتباكات. وأشار إلى أن عملية دخول قوات الصاعقة المقر أسفرت عن «استشهاد خمسة من عناصرها وإصابة عشرة آخرين بجروح متفاوتة إثر تعرضهم لانفجار كبير لم تتضح أسبابه». وفي خطوة تهدف على ما يبدو إلى تهدئة الاحتقان الشعبي في بنغازي، أصدر رئيس الأركان العامة في الجيش قراراً يأمر فيه بتسلّم مقرات «درع ليبيا» من القوات المنتشرة فيها. ونص القرار على الآتي، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الرسمية: 1، مقر درع ليبيا القوة (1) يُسلّم إلى القوات الخاصة «الصاعقة»، 2، مقر درع ليبيا القوة (2) يُسلّم إلى كتيبة المشاة البحرية، 3، مقر درع ليبيا القوة (7) يُسلّم إلى قوات الدفاع الجوي، 4، مقر درع ليبيا القوة (10) يُسلّم إلى الكتيبة 404 جوي. وأفاد مدير إدارة الشؤون المعنوية برئاسة الأركان العقيد علي محمد علي الوكالة الليبية أن الوحدات العسكرية المكلفة وفق هذا القرار شرعت بتسلم مقرات «درع ليبيا». وكان الناطق باسم رئاسة الأركان العقيد علي الشيخي أشار في وقت سابق إلى أن «كتيبة درع ليبيا الرقم (1) هي قوة احتياطية تابعة للجيش الليبي، وأن الهجوم عليها يمثل اعتداء على «معسكر شرعي»، ووصف الأمر بأنه «خطير جداً». ووجه الشيخي «نداء إلى حكماء ومشايخ ووجهاء المدينة وأعضاء المؤتمر الوطني العام عن مدينة بنغازي بسرعة التدخل وبذل الجهود والمساعي لفض الاشتباكات بين الطرفين حقناً للدماء». ونقلت «فرانس برس» عن الناطق باسم «كتيبة درع ليبيا» عادل الترهوني أن خسائر هذه الكتيبة خلال المواجهات كانت قتيلاً وسبعة جرحى. ودافع الترهوني عن «شرعية» الكتيبة، مؤكداً أنها مرتبطة رسمياً بوزارة الدفاع. وقال إنه شاهد في البداية تظاهرة سلمية استمرت لبضع ساعات أمام مقر الكتيبة وهي ثكنة سابقة لقوات معمر القذافي. وتابع في حديث لتلفزيون ليبيا الأحرار أن «مسلحين اندسوا في التظاهرة وأطلقوا النار على مكاتبنا وألقوا قنابل». وعقد المؤتمر الوطني العام جلسة صباح أمس في طرابلس معلناً تقديم تعازيه لمدينة بنغازي وأهالي الضحايا. ودعا المؤتمر في بيان تلاه النائب الأول لرئيسه الدكتور جمعة اعتيقة «الأطراف كافة إلى ضبط النفس، وتغليب مصالح الوطن، ودرء الفتنة والشقاق، واستشعار خطورة الموقف». وجدد المؤتمر ضرورة «تغليب لغة الحوار الوطني الجاد بين الأطياف السياسية كافة، والفاعلين الاجتماعيين، ومؤسسات المجتمع المدني، لتجنيب بلادنا وثورتنا منزلقات الفتنة ومسببات النزاع، وأن تُحل القضايا كافة بروح المسؤولية الوطنية، بعيداً من لغة التخوين والإقصاء لأي طرف». ونقلت «وكالة أنباء التضامن» الليبية عن العضو في المؤتمر الوطني نعيمة الحامي إن المؤتمر علّق جدول أعمال جلسة الأحد لمناقشة أحداث بنغازي. وقالت الحامي إن الأعضاء انقسموا إلى فريقين، أحدهما طالب بالتعجيل بتطبيق قانون العزل السياسي لعزل رئيس الأركان (يوسف المنقوش) الذي يتواجد حالياً خارج البلاد، ومحاسبة المسؤولين عن أحداث بنغازي السبت، أما الفريق الثاني فطالب باستدعاء رئيس الوزراء بالحكومة علي زيدان وسؤاله عن الأحداث. وكان زيدان أعلن ليلة السبت - الأحد أن عناصر «درع ليبيا» غادروا مقرهم في بنغازي، موضحاً أن الجيش تسلم المقر حالياً ويتولى أمر الأسلحة الثقيلة الموجودة فيه. وأعلن زيدان الذي كان يتحدث للتلفزيون الليبي، أن تحقيقاً في الحادث سيفتح، داعياً الأطراف كافة إلى ضبط النفس. ولفتت «فرانس برس» إلى أنه في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي تمرد سكان في بنغازي على أفراد ميليشيات وطردوا بعضهم من قواعدهم في المدينة. وتواجه السلطات الليبية الجديدة صعوبات في نزع أسلحة مجموعات الثوار وحلها وتسعى في الوقت نفسه إلى إعطاء صفة شرعية لأخرى رغم المعارضة الواسعة لليبيين. وشهدت بنغازي التي كانت مهد الثورة الليبية في 2011، عدة عمليات تفجير وهجمات على قوات الأمن والبعثات الديبلوماسية الغربية في الأشهر الأخيرة، ما يكشف عجز السلطات عن إحلال الأمن فعلياً في البلاد. على صعيد آخر، نقلت «وكالة أنباء التضامن» الليبية عن مصادر في المؤتمر الوطني قولها إن رئاسة المؤتمر خلفاً للرئيس المستقيل بفعل قانون العزل السياسي محمد المقريف «انحصرت بين أربعة أسماء وسينتخب أحدها يوم الثلثاء المقبل». وقال مصدر للوكالة إن «رئاسة المؤتمر انحصرت بين أربعة أسماء، هي نوري أبوسهمين وجمعة السائح وفوزي أبو عقاب وشريف الوادي»، لكنه لفت إلى أن المنافسة حالياً هي بين أبو عقاب والوادي.