تنادى قادة الأحزاب العربية الوطنية والإسلامية وجمعيات العمل المدني داخل إسرائيل إلى «مؤتمر وطني» في مدينة الناصرة السبت الماضي تحت عنوان «المؤتمر الوطني لمناهضة الخدمة المدنية والعسكرية وأشكال التجنيد كافة»، وذلك مع إصرار أقطاب اليمين الإسرائيلي على إلزام الشبان العرب (واليهود المتزمتين- الحرديم) مع بلوغهم الثامنة عشرة، الخدمة العسكرية لثلاث سنوات أسوةً بسائر اليهود والدروز، أو الالتحاق ب «الخدمة الوطنية» أو «المدنية» كبديل للعسكرية، شرطاً لحصولهم على امتيازات يحصل عليها كل من ينهي الخدمة العسكرية. وجاء انعقاد المؤتمر بعد أيام قليلة من توصية اللجنة الحكومية لفحص مسألة «تقاسم العبء بالتساوي» برئاسة الوزير يعقوف بيري (رئيس شاباك سابقاً)، برفع عدد الملاكات (الوظائف) المخصصة للمجندين العرب في «الخدمة المدنية أو الوطنية» من 2800 حالياً إلى ستة آلاف عام 2016، مع زيادة المحفزات لهم، فيما أصر ممثلو حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف على تطبيق الخدمة العسكرية الإلزامية عليهم. ولاحقاً، أعلن نائب وزير الدفاع داني دنون تأييده موقف «إسرائيل بيتنا». كما عقد المؤتمر في ظل ارتفاع أصوات في أوساط العرب تؤيد درس فكرة «الخدمة المدنية»، على أن يتم تطبيقها في مؤسسات عربية (مدارس ومستشفيات ومؤسسات اجتماعية وغيرها) بداعي أن من شأنها أن تساعد مؤديها في الحصول على امتيازات مالية، أو في تسهيل القبول لجامعات إسرائيلية، وتسهم في انخراطهم في المجتمع الإسرائيلي على نحو يكفل لهم مساواة في فرص العمل. وكانت الأشهر الأخيرة شهدت محاولات مكثفة من أوساط حكومية أو أذرعها «لإقناع» الشبان المسيحيين بتأدية الخدمة العسكرية بداعي أنها تفيدهم في الدفاع عن أنفسهم كونهم «أقلية داخل أقلية عربية ومسلمة». ووجدت هذه المحاولات آذاناً صاغية لدى رجل دين من الروم الأرثوذكس في الناصرة، ما أشعل معارضة شديدة له داخل «مجلس إدارة الطائفة» استدعي في أثرها أحد أقطابه، الدكتور عزمي حكيم إلى الشرطة للتحقيق بشبهة «تحريض الشبان المسيحيين على عدم الانخراط في الجيش الإسرائيلي». وأكد «مؤتمر الناصرة» في بيانه الختامي اتفاق ممثلي الأحزاب والحركات والجمعيات المدنية كافة على «رفض هذه المشاريع»، والدعوة إلى تعزيز المشاريع الذاتية من خلال «تنشيط مشاريع التطوع داخل مجتمعنا الفلسطيني وتعزيزها»، و «بحث احتياجات شباب وفتيات مجتمعنا في المجالات المختلفة»، و «رفض مبدأ الحقوق في مقابل الواجبات»، مضيفاً أنه «في حال فرض الخدمة المدنية علينا، فسيتم تصعيد خطواتنا، ونحن على استعداد لدفع الثمن». وأجمع المتحدثون على «وجوب التصدي» لمشروع التجنيد «الذي يراد منه طمس الهوية القومية لشبابنا وشاباتنا»، وأن «المنطق الوطني والأخلاقي والاجتماعي يرفض المشروع»، و «الخدمة المدنية ما هي إلا خدمة عسكرية»، والمشروع كله «يقوم على مقاربة أمنية تبغي أسرلة الشباب العرب». كما دعا بعض المتحدثين إلى تهديد الشباب المتطوعين في خدمة مدنية بنبذهم اجتماعياً. وحذر متحدثون من الوقوع في مصيدة السلطة التي تعمل على زرع الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب الواحد، ودعوا رجال الدين من الطوائف المختلفة إلى المساهمة في حشد الجماهير لرفض المخططات»، مؤكدين وجوب أن يكون الرد على المخططات الحكومية كشعب واحد موحد، لا كطوائف منفردة. وأثار أحد المتحدثين ضجيجاً داخل قاعة المؤتمر عندما أعلن أنه في مقابل شعار «لا حقوق كاملة من دون واجبات» الذي تلوّح به الحكومة لتبرير التمييز ضد المواطنين العرب، يجب طرح شعار «لا واجبات كاملة من دون حقوق كاملة»، وهو ما فهمه بعض الحاضرين استعداداً لتأدية «الواجب العسكري» في حال حصل المواطنون العرب على حقوقهم كاملة. ماذا بعد؟ غير أن عدداً من المشاركين لم يقنعه البيان المنمّق لغوياً، ولا الكلمات التي ألقيت، بداعي أن المؤتمر لم يقدم أفكاراً جديدة تتعدى إعلاناً فضفاضاً عن تكثيف المعركة الشعبية ضد التجنيد المقترح. ويطالب هؤلاء قيادات العرب بإيجاد أطر بديلة تتيح لهم التطوع فيها لخدمة المجتمع والاستفادة في المستقبل من هذا التطوع. وأشار المنتقدون إلى أن المؤتمر لم يتبنَّ آليات واضحة لتطبيق موقفه على أرض الواقع، خصوصاً في شأن كيفية مواجهة نشاط أذرع الأمن للترويج للمخطط بين الشباب، خصوصاً داخل السلطات المحلية العربية (التابعة رسمياً لوزارة الداخلية) وعشرات المدارس (التابعة رسمياً لوزارة التربية والتعليم).