عزا عميد معهد الملك عبدالله للترجمة الدكتور أحمد البنيان تدني حركة الترجمة كماً وكيفاً وتواضع أدائها على المستوى العربي عامة والسعودي بخاصة على مدار عقود إلى أسباب عدة، أهمها غياب ثقافة أهمية الترجمة، وقلة الدعم المالي للمجال، والافتقار إلى مترجمين مؤهلين متخصصين في مجال اللغويات والترجمة. وأوضح أن الفكرة السائدة لدى كثيرين أن دور المترجم لا يتجاوز نقل نصوص من لغة إلى أخرى فقط، مضيفاً إلى أن من أسباب تواضع بيئة الترجمة في المملكة «غياب التنسيق والتعاون مع الجهات ذات العلاقة على الصعيد المحلي والخليجي، ما يؤدي إلى تكرار ترجمات بعينها، وبذلك تعيد كل جهة اختراع العجلة بدلاً من أن تقوم بدور تكاملي». وعن الآثار والتبعات السلبية التي نتجت من غض البصر عن الترجمة منذ عقود، ذكر أن افتقار المكتبة العربية إلى أمهات الكتب من معارف وعلوم في شتى الأفرع، وقلة المحتوى العربي في «الإنترنت»، وسيطرة اللغة الإنكليزية واعتمادها كلغة العلم، أدى إلى إضعاف حركة توطين التقنية، إضافة إلى الافتقار إلى مجلات علمية عربية مصنفة دولياً تحاكي المجلات والدوريات العالمية بلغات أخرى، ما أدى إلى تدوين أعضاء هيئة التدريس أبحاثهم بلغات أجنبية تحقيقاً للعالمية. وأضاف أن غياب صناعة الترجمة منح الفرصة للآخر (الأجنبي) اختيار الكتب الذي يرغب في ترجمتها من العربية إلى الإنكليزية، ونقل صورة العربي المسلم لتلك المجتمعات بشكل مغلوط ومشوّه، ما يلقي بظلاله على مخيلة الغربي للمسلم الذي يجسده محتوى الكتاب، ضارباً المثل بكتاب «ألف ليلة وليلة». وتابع: «إن مناهج التعليم العام الأميركي تقدم للطلاب بعضاً من الكتب، تتضمن معلومات مغلوطة عن العرب والمسلمين، بسبب اعتقادهم أن المصادر التي اعتمدوا عليها في ترجمة النصوص صحيحة». ويطمح البنيان إلى وجود مترجمين سعوديين محترفين يطوفون مؤتمرات عالمية يتضاعف الطلب عليهم بأسمائهم من القائمين والمنسقين لتلك المؤتمرات، في الوقت الذي تفتقر فيه المؤتمرات لأمثالهم. وأضاف: «على رغم أن القائمين على المؤتمرات في الخارج، يعمدون إلى تزويد المترجم بكل الوثائق والمواضيع التي يتخللها المؤتمر قبل ابتدائه بعام، إلا أن الثقافة السائدة تفترض في المترجم أن يترجم كل شيء في شتى المجالات في أي وقت، ما أدى إلى عدم اكتراث القائمين على المؤتمرات المحلية بطلب مترجمين من الجهة المختصة قبل المؤتمر بأيام وجيزة من دون تقديم وثائق ومحاور خاصة بالمؤتمر، ما ينعكس بطبيعة الحال على أداء المترجم نظير ضعف التنسيق وضيق الوقت، ليؤدي ذلك إلى تعذر استيعاب المترجم كل تفاصيل المؤتمر، إضافة إلى مواجهته بعض المشكلات أحياناً. وعلى رغم أن برامج الجامعات السعودية تشهد تطوراً يحاكي برامج نظيرتها العالمية، من وجهة نظر البنيان، إلا أن الإشكال يكمن - على حد قوله - في إيجاد كفاءات من الأساتذة لتدريس مواد اللغة الإنكليزية، بسبب التوسع في افتتاح أقسام اللغة الإنكليزية في مختلف الجامعات في آن واحد، «ما ساهم في مضاعفة الطلب على الكفاءات المميزة، الأمر الذي اضطر الجهات المعنية إلى تسديد الحاجة بالمتوافر فقط». وقال: «أحيانا، لا يلتزم المعلمون بمحتوى المناهج، كما هو مطلوب، ما يجعل الطالب يتحصل على نسبة أقل من المحتوى المطلوب». وحمل المسؤولية المشتركة في ضعف المخرجات إلى الإدارة وعضو هيئة التدريس والطالب، «وهو أمر يستوجب تفعيل استراتيجية مقننة، تمكن الطالب الانضمام إلى هذا المجال بعد تخرجه». معضلة المعهد أكد البنيان أن «معهد الملك عبدالله للترجمة يعاني معضلة التعيين المباشر للكفاءات، وقال: «نتمنى من وزارة المالية دعم مشروع المعهد من خلال إتاحة الفرصة له بتعيين معيدين ومحاضرين ومترجمين بشكل مباشر، كما أننا نواجه صعوبة في إيجاد الكفاءات التي من شأنها تحقيق الجودة، في الوقت الذي يطبق فيه المعهد مرحلة ضبط الجودة من خلال مراجعة الترجمة وتدقيقها عبر متخصصين ومن ثم قراءتها من متخصص باللغة العربية إذا كانت مترجمة إليها، وإطلاع آخر عليها من أهل اللغة، وهو(الهدف) المترجم لها، وتأكده من صحتها في حال كانت الترجمة إلى لغة أجنبية، ويتم ذلك بعد الانتهاء من المراحل الأولى للترجمة المتمثلة بتحديد المصطلحات والمفردات، الترجمة، المراجعة، التنقيح، التحكيم. وأشار إلى أن المعهد يقوم بالترجمة لمختلف اللغات من العربية وإليها، تتصدرها اللغتان الإنكليزية والفرنسية بحكم الحاجة إليها، كما أنه ترجم وثائق خاصة بجامعة الإمام لأكثر من 12 لغة. وأوضح أن مهمات معهد الترجمة تتجسد من خلال ثلاث وكالات، كل وكالة تقوم بأعمال معينة، إحداها الترجمة والتعريب، والثانية للتدريب، والثالثة للبحث والتطوير والجودة، وتعمد وكالة التدريب على تقديم دورات ودبلومات ترجمة نصية وفورية لا تقتصر على العاملين فيه، بل تخدم الجميع وتهدف إلى رفع كفاءة المترجم، كما أنه يقدم دورات لجهات معينة لصناعة بعينها مثل ترجمة إعلامية، ديبلوماسية وغيرها، إضافة إلى تفعيله التدريب التعاوني، إذ يقوم بتدريب طلاب وطالبات الجامعات في آخر فصل دراسي». ونوّه إلى أنه «في المستقبل القريب سيكون هناك مقارّ دائمة للمعهد بقسميها الرجالي والنسائي تزخر بما لا يقل عن ست معامل مدعمة ببرامج ترجمة آلية وفورية ومعاجم آلية». وفيما يتعلق بالموظفين العاملين في المعهد، أوضح أنه عدد الموظفين في المعهد يتجاوز 35 موظفاً وموظفة بين إداريين وأعضاء هيئة تدريس متخصصين بالعلوم، ولو حسبنا الأعداد الفعلية للمترجمين في المعهد لوجدنا أنهم غير متفرغين». وزاد: «لدينا قاعدة بيانات مترجمين متعاونين من داخل المملكة وخارجها يعملون لدينا، ونستقبل رغبات مترجمين متعاونين بعد اجتيازهم اختبارات عدة، واستمرار التعاون معهم بعد إثبات جدارتهم». وعن الدعم الذي تقدمه جامعة الإمام لمصلحة الترجمة تبعاً للوائح والأنظمة، ذكر أنها تتكفل بترقية وتقديم مكافأة مادية لعضو هيئة التدريس، الذي يعمد إلى ترجمة المنهج الأكاديمي الذي يدرسه إلى اللغة العربية. وأضاف: «آمل أن يصبح المعهد مصنعاً متكاملاً يحوي طاقماً كبيراً من المترجمين والمتخصصين، وأقسام طباعة وتعديل، وصفوف من مدربي الترجمة الفورية والآلية، وأن يكون هناك مترجمون ينتقلون من مرحلة الهواية إلى الاحتراف». كيف ننهض ببيئة الترجمة ومهنة المترجم؟ - استحداث سلم رواتب للمترجم يتدرج فيه حتى يصل إلى قمته أسوة بغيره من موظفي الدولة. - وضع تصنيف خاص بالمترجمين أسوة بالتصنيف الدولي بين مترجم أول وثانٍ ومساعد وعميد مترجمين. - منح تراخيص خاصة بالمترجمين، بدلاً من الاكتفاء بترخيص القطاع الخاص لافتتاح مراكز ترجمة. - توفير كليات اللغات والترجمة معامل تدعم الترجمة الفورية وتخصيص مواد مختصة بها. - تفعيل التدريب التعاوني للطلاب بحيث يمكنهم المشاركة في مؤتمرات واقعية. - إلحاق مترجمين متفرغين للعمل في مجال الترجمة داخل مراكز الجامعات، فضلاً عن اقتصار العمل فيها على مترجمين غير متفرغين يتولون مناصب إدارية فيها. - منح استثناءات للمترجم لأداء مهماته خارج مقر العمل، لما يحتاجه من جهد ذهني وعدم ربطه بساعات الدوام. - عدم اقتصار كليات اللغات والترجمة على المنحى العلمي فقط، وما يتضمنه من تنظير وتدريس علم الترجمة، إذ لا بد من أن يتضمن ذلك منحى مهنياً أيضاً. - مضاعفة عدد وظائف الترجمة حتى لا يقتصر عمل الخريجين على مهنة التعليم فقط.