«البلكونة» الباحة التي تحوي ذكريات الصغار وتحمل ثيابهم إلى الهواء، ومنارة لمراقبة الأبناء ومطالعة الجيران، فهي الأمل الأول والأخير لسكان الأدوار التي لا فناء ولا سطح لها، والمعلقة بين السماء والأرض. يلجأ السكان إليها عندما تضيق الجدران بهم، وتعبر ما بداخلهم إلى السماء ملحقين بأفكارهم، فمن على كرسي تخلق الأفكار وبالوقوف على السياج تكتمل الفكرة، ومنها يخرج المفكرون من عزلة المنزل بانسجام مع الهواء. بلكونات وهمية تظهر على مخططات المساكن الورقية، وتراها العين على واجهات الشقق المحاصرة بالهواء لا يتاح لسكان البناية إلا أن يظهروا من البلوكات التي يعيشون فيها أحلامهم وخيالات الباحة الوسيعة، وخيبة الأمل تخرق النفس عندما يتفاجأ المالك بأن مساحة المطل الذي يأمل بأن تكون المتنفس الوحيد له عبارة عن مساحة وهْم متضخمة في الخرسانة ولا تتسع لقدميه ليطاول بها النسيم. طقوس الوقوف في البلكونة مرتبطة في أذهان جيل الثمانينات بارتداء الملابس الخفيفة وكوب الشاي، واقترن جيل البلكونة بصفة الاعتياد على تشغيل الكاسيت بصوت عال عصراً، ووقفة في البلكونة بالفانلة الداخلية وكوب الشاي والسيجارة لو كان مدخناً مستمتعاً بسماع الموسيقى. ضاقت الحياة الاقتصادية لمن يعيشون بين السماء والأرض واختفت ملامح البلكونات في المساكن لتستدعي الحاجة اختراعاً قدمه شاب أردني للبلكونات الذكية التي تخرج من خلال نوافذ المنزل كوسيلة لإنتاج نافذة عصرية تتحول إلى بلكونة، من خلال المحركات التي تعمل على ثني النافذة وتنزلق للأسفل بثبات وفي الوقت نفسه يتم تزويد هذه النافذة بألواح تتكون من خلايا شمسية لإنتاج طاقة كهربائية من أشعة الشمس تصنع على يد المهندسين المختصين في هذا المجال وتتم إضافة المقبس الذكي إلى البلكونة الذي يقلل من استهلاك الكهرباء في حال عدم إيصال أجهزة كهربائية بالمقبس، إضافة إلى ذلك يستخدم المقبس كوصلة كهربائية عند سحبه من مكانه ليصل إلى أمتار عدة. وتوجد أشكال عدة من البلكونة الذكية، إذ يمكن أن يضاف عليها عامودان يخرجان من أسفل البلكونة لكي تزداد اتزاناً وأمناً للمستخدمين وتتم إضافة مظلة تسمى «كسارات للشمس» وعلى الكسارات الشمسية خلايا تجمع طاقة كهربائية وتحمي المستخدم من الشمس ومن المطر وتلم طاقة كهربائية من طريق الخلايا الشمسية. وغالبية كبار السن هم من يعشقون البلكونة في المنزل، لتعيش عليها رياحينهم والزهور، وتربطهم علاقة بالطبيعة والهواء، إلا أن معظم السعوديين من الشباب لا يهتمون بذلك ويفضلون المساحات الداخلية للمنزل والتعامل من التقنية والمحطات الفضائية، وتحولت في أعينهم إلى مكان للخطر على الأطفال وعبء في العناية بها وتنظيفها من الأتربة ومخلفات الطيور.