ألقت حادثة إعدام جماعي جديدة في ناحية النخيب الصحراوية (جنوب غربي الأنبار)، وهي الثانية في المنطقة، خلال أقل من عامين، ظلال ثقيلة على محافظة الأنبار التي تتعرض لمحاولات توريط بحرب طائفية يخطط لها تنظيم «القاعدة». وأعلنت الشرطة أمس أن 14 شرطياً من حرس الحدود، جلهم من كربلاء خطفوا وأعدموا رمياً بالرصاص قرب ناحية النخيب التي شهدت في أيلول (سبتمبر) 2011 عملية مماثلة راح ضحيتها مدنيون قتلوا بالطريقة ذاتها. وتقع النخيب في أقصى غرب العراق على الحدود قرب السعودية، وتشكل ممراً للحجاج. لكنها أيضاً موضع نزاع بين محافظتي الأنبار وكربلاء. ويعتقد وجهاء وناشطون في تظاهرات الأنبار، أن «القاعدة» يحاول استدراج المحافظة الى حرب طائفية، وينفي احد زعماء عشائر الدليم، الشيخ علي الحاتم بشدة، معلومات أوردها تنظيم «دولة العراق الاسلامية» قبل ايام عن اجتماع مع شيوخ العشائر، واعتبرها «مزيفة تهدف إلى خلط الأوراق». لكن مساعي «القاعدة» لاستعادة الأنبار التي تحتل ثلث مساحة العراق ويعتبرها التنظيم مركز دولته الافتراضية، لم تتوقف، منذ أن عملت العشائر ومجموعات مسلحة، بدعم أميركي، على طرد التنظيم من المدينة، في أكبر هزائمه في العراق منذ عام 2003. وبالإضافة إلى الدلالة «الطائفية» التي تؤشر إليها عملية إعدام عناصر الشرطة أمس، فإن ردود الفعل الواسعة التي خلفتها عملية العام 2011 وتحرك قوات عسكرية من كربلاء لاعتقال عدد من المتحمسين في النخيب، بعد الحادثة بأيام واقتيادهم في مشهد استعراضي عبر شوارع كربلاء، يعيد المخاوف من رغبة تنظيم «القاعدة» في رؤية مثل هذا المشهد مرة أخرى. وجاءت الحادثة أمس، وسط أجواء من تشنج بين الحكومة والمتظاهرين الذين يتخذون الطريق الدولي بين العراق والأردن وسورية ساحة لاعتصامهم، وفي ظل فوضى أمنية سمحت الأسبوع الماضي بخطف وقتل 8 أشخاص على الطريق ذاته. ويصعب على أي قوة عسكرية نظامية السيطرة تماماً على محافظة الأنبار التي تشكل الصحراء غالبية مساحتها التي تبلغ 138 ألف كيلومتر مربع، وتحيط بها ثلاث دول (المملكة العربية السعودية وسورية والأردن) وترتبط ببغداد وكربلاء وبابل والنجف وصلاح الدين والموصل بتضاريس وعرة. جغرافيا مدن الأنبار التي تمتد متباعدة على طول الفرات، وطبيعتها الديموغرافية التي تغلب عليها سيطرة العشائر، وعدم قدرة المليشيات على فرض نفوذ عليها، كانت بالنسبة إلى الجيش الأميركي حينها بيئة مثالية لتحميلها مسؤولية الحرب على «القاعدة» عبر تشكيل مجموعات «الصحوة»، لكن تلك البيئة تطرح تحديات كبيرة على أي سلطة في حال نجح التنظيم في استعادة نفوذه. حوادث الخطف والإعدام التي يصاحب بعضها تمثيلاً بالجثث تتكرر على طريق الأنبار الدولي، وتتبرأ منها العشائر المنتفضة ضد الحكومة، منذ نحو ستة شهور، وتلقي مسؤوليتها على عاتق تنظيم «القاعدة» الذي يقول السكان إنه استثمر التظاهرات للعودة إلى المدينة.