يعكس اقتراح حزب «العدالة والتنمية» الجزائري بقيادة المعارض الإسلامي عبدالله جاب الله تقليص صلاحيات الرئيس إجماعاً في صفوف الطبقة السياسية الجزائرية باتجاه تخليص الحكم من تسيير «اليد الواحدة» في مقابل إصرار الغالبية على ترسيخ النظام شبه الرئاسي مع نقل بعض الصلاحيات البسيطة إلى الوزير الأول. ولم تخرج اقتراحات جاب الله عن الأطر العامة التي قدمتها أحزاب تقليدية في المعارضة وركزت على الدعوة إلى إعادة الاعتبار إلى دور البرلمان المغيب منذ عقد لمصلحة الجهاز التنفيذي الذي استأثر بصلاحية التشريع. ودعا رئيس «العدالة والتنمية» إلى إعادة سلطة التشريع إلى البرلمان على أن تتولى الحكومة تنفيذ القوانين التي يسنها ممثلو الشعب وتخضع فيه المؤسستان الأمنية والعسكرية للسلطة المدنية. وتضمنت غالبية الاقتراحات الحزبية تلميحات إلى إخضاع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية أو جعلها حامية لدستور البلاد، بدل الصيغة الحالية التي تنص على أن الرئيس هو حامي الدستور. وتطالب المعارضة بتعديل المادة 74 من الدستور التي تترك الباب مفتوحاً للترشح للرئاسة من دون تحديد عدد الولايات. وعدّل بوتفليقة الدستور في العام 2008 لإلغاء تحديد الولايات الرئاسية باثنتين ليتمكن من الترشح لولاية ثالثة في 2009. وينص المشروع الذي قدمه جاب الله أول من أمس على «تكريس الإسلام مرجعاً للتشريع والقوانين، ورافعاً لنظام سياسي مختلط قائم على التوازن في توزيع السلطات، يكون التشريع فيه للسلطة التشريعية المشكلة من مجلسين، والتنفيذ للسلطة التنفيذية المشكلة من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء، والقضاء يكون للسلطة القضائية». ويحدد الاقتراح صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وأيّد الإبقاء على مجلس الأمة مع خفض عدد المعينين بالثلث الرئاسي ومنح النواب حق سحب الثقة من الحكومة. وفي حين يتفق مشروع جاب الله مع اقتراح الحزب العلماني «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية» في الدعوة إلى التخلص من تجميع السلطات في «يد واحدة»، إلا أن مرجعية الدولة تشكل نقطة خلاف جوهرية بين الاقتراحين، إذ اعتبر «التجمع» مبدأ اللائكية (علمانية الدولة) «بمثابة جوهر سيرورة الديموقراطية في المجتمعات». ويشدد التجمع على ضرورة أن يتولى الدستور ثلاث مهام هي «تحديد المبادئ العامة التي يجب أن تسير المجتمع الجزائري وتوازن السلطات وتوضيح دور الهيئات الاستشارية». ورأى أن المبادئ العامة يجب أن تكفل «تكريس أسس دولة ديموقراطية واجتماعية»، عبر «الإقرار الرسمي لمبادئ العدالة الاجتماعية والمواطنة والمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة وتنظيم انتخابات حرة وشفافة واستقلال العدالة وترقية حقوق الإنسان». أما في ما يخص سير المؤسسات وإعادة تنظيم العلاقات بين السلطات، فدعا إلى «توضيح صلاحيات السلطات الثلاث وضمان توازن كفيل بضمان استقلالية كل هيئة من دون اي تمييز محتمل». غير أن الغالبية البرلمانية ممثلة في «جبهة التحرير الوطني» أيدت في المسودة التي قدمتها للوزير الأول عبدالمالك سلال إمكان إقالة رئيس الجمهورية «شرط ثبوت تهمه الخيانة عليه أو إخلاله بالواجبات، مع تمكين البرلمان من مباشرة إجراءات الإقالة بشرط توافر نصاب ثلثي أعضاء إحدى غرفتي البرلمان وموافقة الغرفة الثانية». لكن الإقالة تحتاج إلى موافقة غرفتي البرلمان بغالبية ثلاثة أرباع أعضائها. ويمنح اقتراح حزب الغالبية رئيس الجمهورية «الحصانة القانونية الكاملة خلال فترة حكمه، ويمنع استدعاؤه للتحقيق أو الإدلاء بشهادته في قضايا الجرائم والجنح، لكن يمكن متابعته لاحقاً بعد مغادرته منصبه». ويقترح الحزب منح الرئيس «سلطة التشريع بالمراسيم مع ضبط العملية في حال شغور المجلس الشعبي الوطني وفي الحالات الاستعجالية والاستثنائية». ورفضت إعلان موقف من تحديد الولايات الرئاسية، بسبب الانقسامات داخلها في هذا الشأن، على رغم تصويت الحزب على تعديل الدستور الذي رفع القيود على الولايات.