حال استنفار أعلنتها السلطات التعليمية في اليمن لمواجهة امتحانات آخر العام الدراسي. وفي ضوء استمرار التدهور الأمني، اتخذت السلطات التعليمية إجراءات غير مسبوقة، مردها الخوف من الطلاب وليس الحرص عليهم. فلا يزال الطلاب الغشاشون يمثلون «قوة عظمى» في حالة الحرب كما في حال السلام، في وقت يبدو الانفلات الأمني بيئة مثلى يجد فيها هؤلاء كامل حريتهم في الغش من دون أي صعوبة تذكر على غرار ما حدث عامي 2011 و2012 حيث تساوت للمرة الأولى المدن والقرى في درجة توافر فرص الغش. وحتى أولئك الطلاب الموصوفين بالأذكياء يجدون أنفسهم مدفوعين إلى الغش ولو من باب التحقق من صحة الإجابة تفادياً لأن يحصل منافسوهم على درجات أعلى منهم من دون جهد كما يحدث عادة. وأقرت وزارة التربية والتعليم المحسوب وزيرها على شباب الثورة، إجراءات جديدة تمثلت بإصدار بطاقات امتحان إلكترونية وإنزال 3 نماذج مختلفة من الأسئلة في الشعبة الواحدة. وتستمر في اليمن حال الانفلات الأمني ومنها قطع الطرق والخطف ووقوع بعض المناطق والمحافظات خارج سيطرة الدولة، لكن هذا الوضع لا يبدو غريباً أو صادماً في بلد قلما عرف الاستقرار أصلاً وينتشر فيه السلاح ويعد استخدامه جزءاً من مظاهر الحياة اليومية. ويتحدث معلمون وطلاب عن صفقات يحصل بموجبها بعض أبناء النافذين وأبناء العائلات الميسورة على نماذج الأسئلة قبل يوم أو أكثر من موعد الاختبارات مقابل مبلغ مالي. وأفيد بأن وزارة التربية وسعت هذا العام من دائرة المكلفين بإعداد نماذج الامتحانات بعد أن تبين أن لجان إعداد أسئلة الاختبارات للشهادة العامة تمثل واحدة من ثغرات تسرب الأسئلة قبل موعد الاختبارات. وثمة عادة سنوية تتزامن مع موعد الاستعداد الرسمي للاختبارات وهي، أن يتنافس تربويون على المشاركة في اللجان المعنية بإدارة الامتحانات في المناطق القبلية والنائية نظراً لما تدره من أموال يقال إنها تجمع من الطلاب مقابل إتاحة الغش. وبعض المتورطين في هذه العملية يبررون موقفهم بالقول إنهم يوضعون أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يوافقوا على استلام المال أو أن يفرض عليهم الغش بقوة السلاح. وكاد المعلم اليمني أن يكون نموذجاً يحتذى في ممارسة الغش والتزوير. واعترف وزير التربية أخيراً بأن شهادات عدد غير قليل من العاملين في الجهاز التربوي مزورة. ويتندر البعض قائلاً إنه طالما كانت إدارة الجهاز التعليمي مشكوكاً فيها فلا مناص من أن تتعاقد الحكومة اليمنية مع شركة أجنبية تتولى إدارة الامتحانات ربما تكون أكثر نزاهة وحيادية. وتمثل محافظة صعدة المنطقة الأكثر سخونة وخطورة على الطلاب الذين يشكلون جزءاً من الصراع المستمر بين الحوثيين (الذراع العسكرية للأحزاب الشيعية) وحزب الإصلاح الإسلامي السني. ويخشى بعض الإصلاحيين أن يتم استهدافهم دراسياً خصوصاً مع سيطرة الحوثيين على المنطقة و«تنصيبهم تاجر سلاح محافظاً». وتقول المربية نجاة حسن إن اليمن كانت ولا تزال «دار فوضى وحرب «، معتبرة الغش أحد الأسباب الرئيسة في ضعف التعليم العام والجامعي، وبالتالي ديمومة عجلة العنف والتخلف في المدارس، كما تقول، تخرج «جهلة بشهادات ما يؤدي إلى تباطؤ وتيرة التحضر». وتقترح حسن ابتكار أساليب جديدة لتقويم مستوى الطلاب بدلاً من الاختبارات. وتقول التربية إنها نسقت مع وزارة الداخلية والسلطات المحلية للقضاء على مظاهر التجمهر حول المراكز الامتحانية، كما رفعت أجور العاملين في العملية الامتحانية على أمل بأن يؤدي ذلك إلى كبح جماح الغش. وعلى رغم حال الفوضى العامة، فإن كثيرين من الطلاب يعتبرون انقطاع التيار الكهربائي الأكثر سوءاً وخطورة على وضعهم النفسي. وكانت تصريحات شديدة اللهجة أطلقها الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي بشأن وضع الكهرباء قوبلت بمزيد من الإطفاء في شكل لم تعرفه البلاد حتى خلال فترات القتال في 2011. وصارت الكهرباء طلسماً من طلاسم هذا البلد الذي عرف في القدم باسم اليمن السعيد.