تتعطل مظاهر الحياة في المناطق الأردنية المجاورة للحدود الشمالية مع سورية من حين إلى آخر مع سماع أصوات الانفجارات الناجمة عن تساقط القذائف والصواريخ العشوائية عليها، ما يجبر الأهالي على التزام الملاجئ، وأحيانا مغادرة المنطقة، فيما الطلاب في هذه المناطق يمتنعون عن الذهاب إلى مدارسهم في كلتا الحالتين، خوفاً على حياتهم. وعلى رغم أن هذه القذائف العمياء لم تتسبب إلا بإصابة طفلة أردنية في بلدة الذنيبة الحدودية بلواء الرمثا (90 كلم شمال العاصمة عمان) منذ بدء الأزمة في سورية، يعيش الأهالي قلقاً وتوتراً دائمين مع سماع دوي الانفجارات داخل الأراضي السورية، خشية وصول القذائف إلى منازلهم، التي لا تبعد أحياناً عن ساحة المعركة أكثر من كيلومتر واحد. وتهتز منازل الأردنيين من سكان البلدات الحدودية، مثل سما السرحان وام السرب والذنيبة وعمراوة، بمعدل مرتين كل أسبوع، وأحياناً في شكل يومي، وفق اشتداد المعارك من اجل السيطرة على المعابر الحدودية، والتي يستميت النظام السوري في إعادتها كلما سقطت واحدة منها، لمنع دخول الأسلحة والمسلحين السلفيين، كما يدّعي مسؤولو النظام في أكثر من مناسبة. أسماء السرحان ابنة الصف السادس الابتدائي، تعودت ألاّ تذهب إلى مدرستها كلما اهتز بيت ذويها في بلدة سما السرحان التابعة لمحافظة المفرق (60 كلم شمال شرق العاصمة عمان) جراء الانفجارات القريبة، فهي تعرف مسبقاً إن قرار والدها هو ضرورة «البقاء في البيت»، الذي قد يستمر أكثر من يوم أحياناً، وفق شدة هذه الانفجارات ودويّها وتقطعها. ولا تدري أسماء أين وصلت معلمتها وزملاؤها في المنهاج، خاصة أن الطلبة لا ينضبطون جميعهم في الدوام أو البقاء في البيت، في الوقت الذي تؤكد فيه تغيبها بالصدفة أكثر من مرة عن الامتحانات الشهرية. وعادة ما تلجأ معلمتها إلى إعادة الامتحان للطلبة بشكل فردي، وفق حضورهم، فنادراً ما يحضر جميع الطلبة الامتحان، كما تقول أسماء، التي تتحدث عن أكثر من امتحان تراكم عليها جراء تغيبها المتكرر. وتكاد معلمتها التي فضلت عدم الكشف عن اسمها، تجزم بأن طلبتها لا يلمون بالمنهاج مع قرب انتهاء الفصل الثاني بسبب غياباتهم المتكررة وحضورهم المتقطع للحصص الدراسية. وتقترح المعلمة افتتاح ناد صيفي لتعويض الطلبة عما فاتهم من المنهاج، والعمل على إغلاق المدارس الحدودية ونقل طلبتها إلى مدارس بعيدة من الحدود بعد توفير وسائل المواصلات اللازمة لذلك، إذا أرادت الحكومة توفير بيئة تعليمية صحيحة. وعلى رغم تأكيد مدير التربية والتعليم لمنطقة البادية الشمالية الغربية بالمفرق الدكتور عبد القادر بني أرشيد، عدم تعليق الدراسة في أي من مدارس المنطقة، وعددها 35 مدرسة، أشار إلى أن بعض المدارس يتغيب طلابها على مسؤولية ذويهم. وتعمل اللجنة الأمنية في المحافظة على مدار الساعة وتقوم بدراسة الموقف الأمني بشكل تام، ولم تطلب من المديرية حتى الآن تعليق الدراسة في أي مدرسة تابعة لها، وفق أرشيد، فيما يؤكد الناطق الإعلامي في وزارة التربية والتعليم أيمن بركات، أن وزير التربية والتعليم طلب من مدير تربية لواء البادية الشمالية الغربية القريبة من الحدود السورية، تقدير الموقف من عمليات انتظام الدراسة بالتنسيق مع محافظة المفرق والأجهزة الأمنية، لافتاً إلى أن ذلك يأتي من جانب احترازي. لكن أحد المواطنين، وهو أنور السرحان، أكد أنه تم تعليق الدراسة في ثلاث من مدارس المنطقة قبل شهر، بسبب الاشتباكات في المنطقة المحاذية للحدود الأردنية وسقوط القذائف داخل الأراضي الأردنية. وأضاف أن بعضاً من سكان المنطقة اضطروا إلى الابتعاد من مناطق سقوط القذائف، حرصاً على سلامتهم وسلامة أبنائهم. وقال المواطن خليل الحرفوشي أحد سكان منطقة سما السرحان، إن أولياء أمور الطلبة يمتنعون عن إرسال أبنائهم إلى المدارس والجامعات خوفاً عليهم، جراء سقوط القذائف في شكل يومي واعتيادي على منطقتهم، ما يتسبب في حالة من الذعر والهلع بين السكان، ويجعلهم يلتزمون منازلهم وعدم الخروج منها إلا للضرورة القصوى. يشار إلى أن أكثر من 18 ألف طالب وطالبة من اللاجئين السوريين يشاركون حوالى 40 ألف طالب أردني في مدارس مديرية تربية البادية الشمالية الغربية. ويتوزع إجمالي الطلبة السوريين في اللواء بواقع 15 ألفاً في مدارس مخيم الزعتري و3 آلاف في المدارس التابعة لمديرية التربية والتعليم في البادية الغربية. وبيَّنَ بني أرشيد أن هذا العدد ساهم بشكل كبير في حصول اكتظاظات طلابية في الغرف الصفية في اغلب المدارس، وتطبيق نظام الفترتين الصباحية والمسائية في بعضها الآخر، لافتاً إلى أن هناك ضغطاً كبيراً على مدارس البادية الغربية والكادر التعليمي فيها.