تحفل الصحافة اليونانية بمقالات وتحليلات عن تطور العلاقات بين اليونان وقبرص من جهة ومصر من جهة أخرى. وتتطرق تلك المقالات الى التطور اللافت في هذا الجانب، خصوصاً أن العلاقات المصرية مع «الجارة» تركيا في تدهور وتوتر مستمرين. وكانت الصحافة اليونانية شهدت النوعية ذاتها من المقالات مع التقارب اليوناني - الإسرائيلي الذي بدأ عام 2010، بآمال واسعة في تعاون اقتصادي يخرج اليونان من أزمتها. وبعد أربع سنوات من تلك البداية، لا يبدو أن هذه الاتفاقات نُفذت إلا في المجالين العسكري والأمني، ما يهمّ الجانب الإسرائيلي تحديداً. وعلى رغم التطور اللافت في العلاقات التركية - اليونانية مع استلام «حزب العدالة والتنمية» التركي الحكم في أنقرة على المستويين السياسي والاقتصادي، لا يزال المسؤولون اليونانيون منزعجين من مواقف أنقرة تجاه المسألة القبرصية. وتسعى أثينا إلى التحالف مع أي دولة في المنطقة للوقوف في وجه تركيا، ويبدو أنها وجدت مبتغاها في القاهرة اللاعب المهم في المنطقة. والكلمة الأكثر استعمالاً في هذا المجال هي الاستقرار، بمعنى أن التحالف الجديد سيساهم في جلب الاستقرار للمنطقة، وبالتالي هناك ضمان للمصالح الاقتصادية. عُقد أخيراً أكثر من اجتماع للتنسيق بين مسؤولي الدول الثلاث في الأممالمتحدة، وكان في مقدم المواضيع الغاز الطبيعي والحدود البحرية لكل بلد. ويُتوقع أن تكون الخطوة المقبلة محاولة تحديد المنطقة الاقتصادية الخاصة بالبلاد المذكورة، ولو كان الموقف التركي سيشكل عائقاً نظرياً لهذه العملية. وأفادت مصادر يونانية بأن مسؤولي البلدان الثلاث، يدرسون إمكان ربط مخزون قبرص من الغاز الطبيعي بمحطات في مصر. وكانت القاهرة وقعت اتفاقاً مع قبرص لاستغلال مشترك لمخزون الهيدروكربونات الواقع على الحدود البحرية بين البلدين. وكانت اليونان الدولة الأوروبية الوحيدة التي استقبلت العام الماضي الرئيس الانتقالي لمصر عدلي منصور، ووقعت معه اتفاقات تعاون في مجالات متنوعة. وأيدت أثينا السلطات الجديدة في مصر بقوة في المحافل الأوروبية. وقال وزير الخارجية نائب رئيس الوزراء اليوناني إيفانغيلوس فينيزيلوس في ختام لقاء الأطراف الثلاثة نهاية الشهر الماضي، «لدينا أجندة غنية جداً هي مواضيع الطاقة وتطبيق قانون البحر والأزمات الراهنة»، معلناً عن «عقد قمة على مستوى الوزراء في نيقوسيا قريباً واجتماع قمة في القاهرة في أقرب فرصة». ولفت إلى مؤشرات إيجابية جداً صدرت من الجانب المصري في شأن تحديد الحدود البحرية بين البلدين، وهو مقتنع بتطبيق قانون البحار. وأوضح أستاذ الاقتصاد والتنمية في جامعة أثينا عبداللطيف درويش في تصريح الى «الحياة»، أن «من المسائل التي يمكن تعاون الأطراف الثلاثة فيها، الازدواج الضريبي وترتيب أوضاع اليد العاملة المصرية في قبرص واليونان، وفي المقابل تسهيل أوضاع الجالية اليونانية في مصر». واعتبر أن من الأهداف الاقتصادية المحتملة لهذا التحالف، «تسهيل نقل الاستثمارات والأموال بين الطرفين والتعاون في مجال البحث العلمي، ومحاربة الهجرة غير الشرعية التي يأتي جزء منها من مصر وليبيا، كما ستستفيد القاهرة في مجال استيراد التقنيات الزراعية والصناعات الغذائية». ورأى درويش أن «أهم موضوع تريد مصر إعادة التفاوض في شأنه مع قبرص واليونان، هو تحديد المنطقة الاقتصادية الخاصة بين الدول الثلاث، والتعاون في استغلال الثروات البحرية الموجودة فيها»، معتبراً أن هذا التعاون «سيخرج القاهرة من حرج التعاون مع إسرائيل في قضية استغلال الثروات الطبيعية في المنطقة البحرية الخاصة بها خصوصاً الغاز الطبيعي». وقال: «مع تغير الأوضاع في مصر وتولي الحكومة الحالية، حصلت مفاوضات في شأن المنطقة الاقتصادية الخاصة وأحست القاهرة أنها قدمت تنازلات، لذا ترغب في إعادة التفاوض بشأنها». وأضاف: «ستستفيد مصر من التحالف في موضوع السياحة، فيما ستكون الفوائد متكافئة في مجال الاستيراد والتصدير. وفي موضوع الغاز الطبيعي ستكون ثمة استفادة سياسية لليونان وقبرص، تكمن في انضمام مصر إلى جانبهما وهي قوة لا يستهان بها في شرق المتوسط في مقابل تركيا». ولم يغفل درويش، أن «ما ينقص الأطراف الثلاثة هو المال الاستثماري لاستغلال الثروات الطبيعية في المنطقة البحرية، وهو ما يمكن القاهرة تعويضه من خلال استقطاب أموال خليجية للاستثمار في هذا المجال، خصوصاً مع متانة العلاقات المصرية مع الإمارات والمملكة العربية السعودية حالياً». وأشار إلى «استفادة مصارف يونانية من العمل في مصر، مثل مصرف «بيريوس» الذي يعمل فيها منذ أكثر من عشر سنوات»، لافتاً إلى أن المصرف المذكور «حقق فوائد في مصر أكثر من فوائده في اليونان، نتيجة الإعفاءات الضريبية التي تقدمها القاهرة لتشجيع الاستثمارات الأجنبية».