روى الصياد عطا زينب (80 سنة) تأثره الشديد عندما شاهد رفات عشرات الفلسطينيين الذين شارك في حمل جثثهم ودفنهم في مقبرة جماعية قبل نحو 65 عاماً، بعد ان قضوا برصاص العصابات اليهودية في معارك الدفاع عن مدينة يافا قبل احتلالها عام 1948. وقال زينب لوكالة «فرانس برس» ان «القائمين على مقبرة الازخانة التاريخية استعانوا بي لكي أروي لهم ما حدث في مدينة يافا قبل 65 عاماً بعد ان عثروا على بقايا عشرات الاشخاص وهياكل عظمية في المقبرة قبل نحو عشرة ايام، لانني من الشهود القلائل الذين لا يزالون على قيد الحياة ويتذكرون احداث يافا في تلك المرحلة». وكان سكان افادوا بالعثور على رفات عشرات الاشخاص في مقبرة عربية في مدينة يافا في اسرائيل، تبين انها رفات فلسطينيين قتلوا خلال حرب 1948. وأضاف: «كنت فتى في ال 15 من العمر اعمل صياداً مع والدي عندما نشبت الحرب في يافا، وكنا نسكن في قرية اسمها العربية جنوب يافا في منطقة بيت فدان تحولت اليوم الى بلدة اسرائيلية اسمها بات يام». وتابع: «عندما بدأت المعارك حول يافا، صرنا نحمل جثث المجاهدين والشهداء، وغالباً ما كانت جثثاً لمجهولين جمعت من الشوارع ودفناها بسرعة بسبب المعارك في مقبرة الازخانة التي لم يكن يوجد سواها في مدينة يافا». وأضاف: «كانت عملية الدفن محفوفة بالمخاطر، اذ كنا نتسلل تحت جنح الظلام لندفن يومياً بين اربعة او ستة اشخاص، ندخلهم من فتحة صغيرة في مدفن احدى العائلات ونكدسهم فوق بعضهم البعض». وأضاف: «كنا نحمل ضحايانا بملابسهم وأحذيتهم من رجال ونساء واطفال، لا نعرف أسماءهم ولا يعرف أهلهم عن مقتلهم، وكنا نجدهم في غالبية الاحيان في الشارع، ولم نكن نصلي عليهم، بل نكتفي بقراءة الفاتحة على الطريق». وتابع: «كنا نتحرك تحت زخات الرصاص، وكانت العصابات اليهودية لا تتردد في اطلاق النار علينا ونحن في المقبرة». وأضاف: «كانت الجثث تأتي من اربع جبهات: جبهة حسن بيك المنشية في الشمال، وجبهة بيت فدان في الجنوب، وجبهة سكنة درويش في الغرب، وجبهة ابو كبير من الشرق، وكان الشبان يأتون حاملين الجثث لدفنها في قبر جماعي في مقبرة الازخانة معرضين حياتهم للخطر». وأوضح: «شاركت في دفن نحو مئة فلسطيني خلال ثلاثة الى اربعة اشهر، كانت الحرب شرسة وكان القناصة اليهود يتمركزون في بناية البيرة أعلى بناية في يافا، ولا يجرؤ احد على السير في الشارع في النهار، وحتى في الليل كنا نركض ونحن نحمل قتلانا لإيصالهم الى المقبرة». وتابع بتأثر: «ما زلت اذكر جارتي ام فخري التي قتلت وهي تصلي. حملناها ووضعناها في المقبرة الجماعية التي كنا نسميها فستقية». ولفت الى انه هرب مع اهله من قريتهم العربية الى حي العجمي في يافا، وقال: «عدنا الى قريتنا بعد شهر، الا ان منازل القرية كانت هدمت وصودرت ارضنا، ونعيش الآن في بيت عربي هرب اصحابه من الحرب وصادرته الحكومة وصنفته ضمن ما يعرف بأملاك غائبين، ونحن ندفع ايجاره للقيم على املاك الغائبين». من جانبه، أوضح المسؤول عن مقبرة الازخانة الشيخ محمد ابو نجم لوكالة «فرانس برس»: «نقوم بترميم مقبرة الازخانة التاريخية، واثناء الترميم اي قبل نحو عشرة ايام وجدنا منطقة من دون شواهد ولا تشبه القبور، داخلها فتحة مليئة بهياكل عظمية، وهي عبارة عن ست غرف». وأضاف: «ان مؤسسة الاقصى للتراث التي ترمم المقبرة ستستعين بأطباء شرعيين لمعرفة سبب وفاة هؤلاء والفترة الزمنية التي قضوا فيها لأننا نريد ان نوثق ما حدث في فلسطين». وكانت مدينة يافا المؤلفة من اكثرية عربية والتي هجر القسم الاكبر من سكانها او طرد عام 1947، ألحقت عام 1950 بتل ابيب، وباتت احدى ضواحيها. ويحيي الفلسطينيون والاقلية العربية في اسرائيل من 15 ايار (مايو) ذكرى النكبة التي يمثلها في نظرهم انشاء دولة اسرائيل عام 1948 والذي تلاه نزوح 760 ألف فلسطيني، ما شكل نقطة البداية لمسألة اللاجئين الذين احصي اكثر من خمسة ملايين منهم في الوقت الراهن مع احفادهم. وبقي نحو 160 الف فلسطيني في ما اصبح لاحقاً اسرائيل. ويبلغ عددهم اليوم مع احفادهم 1.35 مليون نسمة، اي 20 في المئة من الشعب الاسرائيلي.