بعيداً من شاطئ البحر المتوسط وصياح نوارسه البيضاء، وعلى مسافة خطوات من عمود السواري الشهير، تلتقط أذناك موسيقى من نوع خاص تختلط فيها زقزقة العصافير بصفير البلابل وتغريد الكناري، نقنقة الدجاجات الصغيرة بهديل الحمام أو اليمام وصياح الديكة وكلمات من كل اللغات التقطتها آذان ببغاوات متكلمة تكررها بطريقة لا تخلو من طرافة، ولا مانع من غقغقة صقر أو أكثر أو نعيق بوم يأتي من بعيد ليكمل سمفونية ربانية مبهرة قوامها مئات الطيور بمختلف صنوفها وأشكالها وألوانها، شاركت كلها في صناعة لحن عبقري صاخب صارخ فوضوي متنوع، أو هادئ متناغم، لا تقطعه إلا أصوات أصحاب هذه الطيور يتجادلون مع بشر من مختلف اللغات حول أسعارها. تمتد مئات الأقفاص المتراصة المختلفة الأحجام والأشكال في سوق الجمعة (ذلك السوق الشعبي الشهير) الكائن في شارع الخديوي - منطقة الجمرك غرب الإسكندرية، حيث يقبع سوق العصافير والطيور النادرة، والذي علقت على جانبيه مئات الأقفاص الصغيرة الملونة بينما ترص الأقفاص الكبيرة على الأرض، حتى يظن الزائر أنه في حديقة طيور فوضوية. يقف جابر وسط عدد من الأقفاص البلاستيكية، وعدد من «أجولة» الطعام المختلفة، في انتظار زبون جديد يشتري إحدى حماماته. يقول: «أرخص أنواع الحمام هو البلدي، وهناك أنواع أخرى يربيها الهواة مثل القلاب التركي والمروحة والنفاخ التي لا نحضرها إلا بناء على طلب». بائع الببغاوات راضي أسكندر يقول: «يأتي أغلب الهواة والتجار إلى «سوق الجمعة»، ليس فقط للربح والبيع والشراء، ولكن أيضاً لاجتذاب أزواج لطيورهم»، مؤكداً أن أكثر ما يقبل عليه زبائنه من أثرياء المصريين والعرب هو ببغاء «كاسيكو» الذي يتميز بذيله الأحمر، والزنجباري وثمنه تقريباً 1500 دولار». ينتصف النهار، ويكتظ السوق بالزوار. والمؤثر في حركة السوق هو دعوات التظاهرات التي تقام الجمعة. لكن هذا التزامن لا يغضب الباعة ولا الثوار ولا حتى الطيور، فالكل يريد الحرية.