السحر والشعوذة منتشران في مجتمعاتنا العربية بشكل لافت، وكأننا لا نعيش في القرن ال21، عصر المعلومات والعلم الذي وصل فيه الإنسان إلى كثير من الأدلة والبراهين لمظاهر طبيعية كان يجهل تفسيرها، إلا أننا في مجتمعنا لا يمر أسبوع إلا ونسمع قضية لها علاقة بالسحرة وقدراتهم الخارقة، آخرها ما نشرته إحدى الصحف المحلية من لجوء أحد الأفراد لتطليق زوجة صديقه لرغبته في الزواج منها، والغريب أن السحرة أنفسهم نجدهم يسقطون في يد السلطات التنفيذية، ومن ثم يحالون إلى القضاء وتصدر عليهم أحكام تصل إلى حد القتل، فأين قدراتهم الخارقة في إنقاذ أنفسهم من الموت، فكيف نصدقهم وهم لا يستطيعون إنقاذ أنفسهم، فكيف يساعدون الآخرين؟ هل انتشار ثقافة السحر والشعوذة ظاهرة إنسانية قديمة قدم الإنسان منذ الأزل ولكنها موجودة في المجتمعات الأقل تطوراً وتنتشر في المجتمعات المغلقة، فالكثير منا في حال إصابته بمكروه، وهو في الغالب مرضي أو اختلال نفسي، يلجأ إلى هؤلاء السحرة والمشعوذين مدعوماً بثقافة شعبية متوارثة بقدرة السحر والسحرة لإخراجه من أزماته النفسية والاجتماعية التي يتعرض لها الإنسان في أي زمان، ولكننا في هذه الحياة ذات النمط السريع والمادي، وتقطع العلاقات الإنسانية يكون الإنسان معرضاً لأية اهتزازات داخلية، إضافة إلى أن مجتمعاتنا تنظر إلى الطبيب النفسي والمستشار الاجتماعي نظرة سلبية، فكل إنتاجنا الثقافي من أفلام وأشعار تُظهر من يلجأ إلى الطب الحديث هو بالفعل مجنون أو قريب من الجنون، إضافة إلى أن الطب النفسي الحديث يركز في التعاطي مع الأمراض النفسية للإنسان على داخل المكون النفسي، ونحن لا نمتلك التعاطي بهذه الطريقة، عكس السحرة والمشعوذين الذين يركزون على ظاهرة المشكلة ولا يدخلون في أعماق النفس البشرية، فتخريجاتهم لأسباب المرض سهلة وتجد قبولاً من المرضى، عكس الأطباء النفسيين، إضافة إلى أن من يذهبون إلى السحرة والمشعوذين لديهم الاستعداد النفسي والثقافي لتقبل تفسيرات هؤلاء المشعوذين بسبب الثقافة السادة، خصوصاً الشفهية منها، التي تلقى رواجاً في مجتمعاتنا. إضافة إلى أن الكثير من الضحايا يدفعون حياتهم ثمناً للجوئهم لهؤلاء السحرة، ولكن عدم وجود أنظمة وقوانين تعطي المريض وعائلته حقوقهم، وتكشف زيف هؤلاء المشعوذين، مثل هذه الأسباب تجعل انتشار هذه الظاهرة مستمراً فلم نسمع يوماً أن أحداً لم يحقق ذلك الساحر مبتغاه أن فضحه في الإعلام، فكم من البشر لجؤوا إلى هؤلاء ولم تتحقق رغباتهم الشريرة أو الحسنة أن أعلن عما مر به من تجربة مريرة، دفع من ماله ووقته الكثير، في المقابل نجد أن الأطباء بشكل عام ومنهم الأطباء النفسيون محكومون بأنظمة وقوانين تعطي المريض الحق في مقاضاتهم في حال وقوع خطأ طبي من أي نوع. وسائل الإعلام من ناحيتها لها دور مهم في محاربة مثل هذه الظواهر غير المنطقية، ولكن، مع الأسف، فإن بعضها، خصوصاً القنوات التلفزيونية أصبحت تلعب دوراً في نشر ثقافة السحر والشعوذة، بل إن بعضها أصبحت متخصصة في إعطاء وصفات السحرة والشعوذة على الهواء مباشرة، دافعها الأموال التي تُجنى جراء الاتصالات التليفونية من المشاهدين، التي تشكل النساء غالبيتها بسبب الظلم الواقع عليهن في مجتمعات ذات ثقافة ذكورية. على الإعلام بأشكاله كافة ألا يتوقف عند نشر قصص السحرة والمشعوذين، حبذا لو كانت هناك صحافة استقصائية تقدم للجمهور حقيقة هؤلاء، وتوضح حقيقة قواهم الخارقة، فقبل فترة نشرت إحدى الصحف المحلية، نقلاً عن متحدث الدفاع المدني في إحدى المناطق، بأن هناك نحو عشرات الاتصالات وردت إليهم عن حرائق في منازلهم يدعون أن الجن هم من تسبب بها، وفي اليوم الثاني نشرت معظم الصحف أن نسبة كبيرة من حرائق المنازل لدينا هي بسبب النسبة المرتفعة في الغش التجاري ورداءة المستلزمات التي نستخدمها في منازلنا. هناك جهات أخرى لها علاقة مباشرة بهذا الموضوع مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي من أكثر الجهات التي تتعاطى مع هؤلاء، أن تكون أكثر شفافية وأن تتبنى حملات توعية لإيضاح حقيقة مثل هذه الممارسة، وعلينا جميعاً ألا نترك من وقع في ورطة من أي نوع أن يلجأ إليهم، فهم متمرسون بالنصب والاحتيال بأشكاله كافة، قد تصل إلى حد الممارسات اللا أخلاقية مستغلين لحظة ضعف يمر بها أي إنسان. في الإسلام يحرم الدجل ويقدر العقل والتفكير، فعلينا الحذر من هذه الممارسات، وكما قال الرسول «صلى الله عليه وسلم»: «من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً». * كاتب سعودي. [email protected] @akalalakal