محمد صادق دياب * الشرق الأوسط اللندنية قرأت للشيخ عبد المحسن العبيكان حوارا في الموقع الإلكتروني لصحيفة «الجزيرة» السعودية عدد الجمعة الماضية، أجاز فيه للمسحور أن يذهب إلى ساحر لحل سحره، وفق ضوابط معينة. ورغم يقيني بأنه يستند في رأيه إلى الكثير من المصادر الموثوقة، فضلا عن كونه حسن النية، ثقة في ذاته، إلا أنني أجد في نشر مثل هذا الرأي إرباكا للكثيرين في مواجهة الخطاب العام الذي يحذر من اللجوء إلى السحرة، والتعامل معهم، وقد يروج مثل هذا الرأي إلى إتيانهم، في ظل توهم الكثيرين بأن العديد من مشكلاتهم الحياتية حدثت لهم بفعل السحر، ولربما يجدون في قول العبيكان إجازة لهم للتداوي بما يعتقدون أنها كانت الداء، وهذا سيضطرهم إلى الدخول إلى أوكار السحرة وعوالمهم السرية التي لجأوا إليها هربا من ملاحقة رجال الحسبة الذين يضطلعون بالمهمة الجليلة المتمثلة في القضاء على أنشطة السحرة والمشعوذين، وقد يلوذ المترددون بالسحرة بكلام العبيكان للإفلات من العقاب، ولربما تذرع السحرة أنفسهم بأنهم لا يقومون بغير مساعدة المسحورين للتخلص من أسحارهم، وسنفتح بذلك باباً كنا نحتاج لإبقائه موصدا لأسباب تربوية ونفسية واجتماعية وصحية. ويقودني الحديث في مسألة السحر والسحرة إلى تذكر موقف موغل في القدم، حينما كنا أطفالا نصطاد الطيور في العصاري من المناطق الخالية في جنوب حينا الجنوبي بجدة، فننصب لها الفخاخ، حتى إذا ما رأينا طائرا انطلق أحدنا بصوت عذب يغني: «هلا بك.. هلا بك ياللي الزمن جابك هلا بك» ولأمر لا أجد له تفسيرا حتى اللحظة يهبط الطائر الطروب على صواري الصوت، فيواصل المغني غناءه، وهو يتحرك بحركات رشيقة تقود الطائر إلى حيث الفخاخ، حتى إذا ما ساقه إلى دواخلها انطلق بقية الصغار من مخابئهم يصيحون فرحا: «طير بلا ذنقب.. كيف ينقب؟!». فكنا نعود إلى الحي قبل حلول الظلام نحمل صيدنا من الطيور لنبيعها لأطفال الحي، وقد دفع لنا رجل أفريقي غريب الملامح ذات مرة أكثر من عشرة ريالات ثمنا لهدهد، ولم نكن نعلم ماذا سيفعل الرجل بذلك الطائر المسكين الذي لا يؤكل ولا يعيش في الأسر، لكن تبين لنا لاحقا أن الرجل يشتغل بالسحر، وأن دم الهدهد يدخل ضمن لوازم الشعوذة، فأمطرنا عشته بالحجارة، وهرب أمامنا الرجل، تتبعه ربما فلول عفاريته، ليتصيده رجال الحسبة على الطرف الآخر من الطريق. « وَلَا يفْلِح السَّاحِر حَيْث أَتَى».