دائما تتصدر أخبار القبض على السحرة عناوين الصحف، ما يوحي بأن هناك تناميا لأعمال السحر والشعوذة، وهذه الممارسات لا تقتصر على جنسية محددة، ولا تستثني أي بيئة، فهناك سحرة للبيئات الريفية الفقيرة، كما أن هناك سحرة للأغنياء في المدن، ومثلهم لذوي الدخل المتوسط، وقد يظهر للمتبحر في هذه الظاهرة أن هناك سحرة للمتعلمين، حتى المتعلمون منهم تعليما عاليا، وهناك آخرون حسب الفئات والطبقات والمهن. وجود السحرة وتوافدهم إلى المملكة سببه الثقافة المحلية التي لا تنحو إلى وضع التفسيرات المنطقية والواقعية، بل أول ما يتبادر إلى ذهنها وجود شيء وراء الطبيعة، وفي الغالب ان ما وراء الطبيعة ليس إلا سببا للتهرب من مسؤولية فشل أو سقوط، فالاعتراف بالمسؤولية عن نتيجة أي حدث لا ينميها المجتمع في أفراده، فهناك تكاذب اجتماعي شائع للتغطية على الأسباب الحقيقية للمشكلة، فالمشكلة الزوجية مثلا لا يتم تناولها في بعض الحالات على أن هناك تقصيرا من الزوجين أحدهما أو كليهما، بل أول ما يطرح أن هناك سحرا أو شعوذة في الموضوع، وأن الحل هو الذهاب إلى مشعوذ لحل المشكلة، وعلى موضوع المشاكل الزوجية تقاس الكثير من المشكلات التي يُلتجأ فيها إلى السحرة. وهناك تضخيم آخر، فعند القبض على شخص يمتهن الشعوذة، تصور عملية القبض عليه على أنها انتصار، وأن هذا الساحر من الأخطر على مستوى العالم، وأن القبض عليه تطلب جهدا كبيرا، في حين أن هذا المشعوذ ليس إلا محتالا، والسلوك السلبي لبعض أفراد المجتمع في التعاطي مع الشعوذة دفعه إلى استغلال الفرصة والتكسب من وراء أوهامهم. ولو اتضح أن هؤلاء المشعوذين ليسوا إلا محتالين لأسهم ذلك في التقليل من أهميتهم، ودفع إلى شيء من التعقل في الإقبال عليهم، كما أن غياب العقوبات في حق المترددين عليهم يجعل التهمة في اتجاه واحد، وكأننا نطلب من المحتال ألا يحتال على الناس وأن يكون ورعا، فيما هناك من يرغمه على الاحتيال عليه من خلال جريه خلف حماقات وأوهام.