كشف مسؤول مصري ل «الحياة» أن الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في أيلول (سبتمبر) قد لا تجرى قبل مطلع العام المقبل، بعدما أعادت المحكمة الدستورية العليا للمرة الثانية نص قانون الانتخابات إلى مجلس الشورى لمخالفة بعض مواده الدستور، فيما أثار طلب المحكمة منح أفراد الجيش والشرطة حق التصويت جدلاً. وكانت المحكمة الدستورية قضت أول من أمس بعدم دستورية تسع مواد في مشروعي قانوني تنظيم الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية، وأعادت المشروعين إلى مجلس الشورى لإجراء التعديلات التي طلبتها، قبل أن يكلف رئيس المجلس أحمد فهمي أمس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية درس قرار المحكمة وإعداد تقرير عنه يعرض على المجلس في جلساته المقبلة. وأشار المسؤول الذي تحدث إلى «الحياة» إلى أن هذا الإجراء «يعني أن مجلس الشورى يحتاج نحو شهر لإجراء التعديلات، قبل أن يعيد القانون إلى المحكمة الدستورية مرة أخرى للنظر في مدى استجابة التعديلات التي أجراها لملاحظات المحكمة، وهو ما يحتاج 45 يوماً». ورأى أن «الانتهاء من صياغة القانون في شكل يضمن دستوريته لن يكون قبل نهاية العام الحالي، على أن تبدأ بعدها اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات عملها، ما يعني أن التشريعيات لن تجرى قبل مطلع العام المقبل». واستغرب القيادي في «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة عمرو حمزاوي عدم قدرة الحزب الحاكم على صوغ قوانين تتوافق مع الدستور الذي هيمن على عملية كتابته، معتبراً أن هذا «يشير إلى عدم رغبة الحزب الحاكم في إجراء الانتخابات في هذا التوقيت لتراجع شعبيته». وكشف ل «الحياة» أنه «عندما كان الحديث يتطرق إلى الانتخابات البرلمانية خلال لقاءات أجريها مع مسؤولين غربيين، كانوا يبلغونني بأن معلوماتهم أن الانتخابات ستكون العام المقبل». ورأى أن «الحكم ليست لديه مصلحة في الإسراع بإجراء الانتخابات، فهم (الإخوان) يسيطرون على مجلس الشورى ويستطيعون عبره تمرير أي قوانين يريدونها، كما أنه لا رقابة على صلاحيات الرئيس والحكومة، فيما الحزب (الحرية والعدالة) والجماعة (الإخوان المسلمون) تراجعت شعبيتهما ويحتاجان إلى فترة لاستعادتها عبر الدفع بملفات معيشية في مقدمها ملف الخبز والطاقة، إضافة إلى الأوضاع على الأرض في المناطق الفقيرة، وهم بالفعل بدأوا في اتخاذ خطوات نحو ذلك، ومن يرصد رأي الشارع في المناطق الفقيرة يشعر بأن الإجراءات بدأت تأتي بنجاح». وعلى النهج نفسه، سار رئيس حزب «الإصلاح والتنمية» محمد أنور السادات الذي رأى أن «هناك نية مبيتة واتجاهاً واضحاً من الرئيس وجماعته لعدم إجراء انتخابات في هذا التوقيت نظراً إلى شعورهم بخفض شديد في شعبيتهم، ويؤكد ذلك تعمدهم إرسال القوانين وفيها بعض المواد المخالفة حتى تأخذ مزيداً من الوقت». لكن وكيل مجلس الشورى النائب عن حزب «النور» السلفي طارق سهري رفض ما طرحه حمزاوي والسادات، مؤكداً أن «إجراءات تصحيح العوار الدستوري الذي شاب قانون الانتخابات لن تأخذ وقتاً كبيراً، ونحن ملتزمون بما أبدته المحكمة الدستورية من ملاحظات». وتوقع الانتهاء من الاستحقاق التشريعي قبل نهاية العام الحالي. وقال: «نحتاج انتخاب برلمان جديد في أقرب وقت حتى ننهي الجدل الذي يحيط بمجلس الشورى وممارسته لصلاحيات إصدار القوانين». وكانت المحكمة الدستورية العليا ألزمت في حكمها أول من أمس الدولة والمشرع بالسماح لأفراد الشرطة والجيش بالتصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة في سابقة، ما أثار جدلاً واسعاً. وأكد طارق سهري ل «الحياة» أن «مجلس الشورى سيلتزم بما قررته المحكمة الدستورية، لكننا سنبحث في آلية تنفيذ اقتراع العسكريين في التشريعيات»، مشيراً إلى أن «الشورى سيخاطب وزارتي الدفاع والداخلية لتقولان لنا كيفية تصويت العسكريين». وقال وكيل اللجنة التشريعية النائب «الإخواني» صبحي صالح إن «لا مشكلة لدينا في شأن تنفيذ قرار المحكمة الدستورية»، مشيراً إلى أنه «سيتم إعمال مواد الدستور في شأن تلك الملاحظات. ومطالبة المحكمة الدستورية بإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية أمر لا تنظمه أهواء عدد من النواب في المجلس إنما يرتبط بملاحظات الجهات الأمنية باعتبارها المعنية بحسن تنظيم هذا الأمر لضبط سير العملية الانتخابية». وأكد أنه «ستتم معالجة عدم دستورية استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات، من خلال إعمال مواد الدستور في هذا الشأن بالنص على أن يكون الحظر لأي شعارات سواء كانت دينية أو غيرها من الشعارات التي تحمل أي طبيعة خاصة أو تستند إلى مرجعية أيدلوجية معينة». وأيد عمرو حمزاوي حق العسكريين في الاقتراع، مشيراً إلى أن الدستور الجديد «لم ينتقص من الأهلية الكاملة للعسكريين وأعطاهم كامل الحقوق السياسية». لكنه شدد على ضرورة «ضمان نزاهة وحياد العملية الانتخابية (في لجان تصويت العسكريين) عبر لجنة قضائية حيادية تضطلع بالتنظيم والإشراف على الاستحقاق، إضافة إلى حيادية المواقع الوزارية، فالعملية الانتخابية هي مفتاح الحيادية، وليس منع العسكريين». في المقابل، رأت «الجماعة الإسلامية» في بيان أن السماح بتصويت العسكريين «يحتاج إلى كثير من التدقيق القانوني، فالأمر يحتاج إلى موازنة بين أنهم مواطنون لهم حق التصويت وبين أنهم مجندون وضباط عليهم مسؤولية تأمين الانتخابات، إضافة إلى وجود بعضهم في الوحدات والثكنات العسكرية، ما يوقعهم تحت ضغط الإكراه في التصويت ويستحيل معه أخذ إجازات جماعية للتصويت خارج الوحدات». وأبدى رئيس القضاء العسكري السابق النائب في مجلس الشورى اللواء عادل المرسي تحفظه على السماح للجيش والشرطة بالتصويت في الانتخابات، مشيراً إلى أن «قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي صدر في عام 1956 كان يسمح لأفراد القوات المسلحة بأن يدلوا بأصواتهم في الانتخابات، إلا أن التجربة العملية أثبتت أن هذا الأمر يؤدي إلى الانشغال بالسياسة والتحزب وتم تعديل القانون وإعفاء أفراد وقوات الجيش من التصويت، وعلى أثر ذلك صدر قانون خدمة الضباط، لينظم خدمة الضباط ويحظر عليهم إبداء آرائهم السياسية وانتماءاتهم إلى الأحزاب أو تكوين جمعيات أو تأسيس شركات». وقال إن «قوانين الخدمة العسكرية حرصت على أن تنصرف القوات المسلحة لمهمتها الأساسية في حماية البلاد وعدم التحزب». وتساءل: «ماذا بعد السماح للجيش بالتصويت في الانتخابات؟ هل سيقوم المرشحون بعمل دعاية لهم داخل الثكنات العسكرية؟». ولفت إلى أن «الحكم سليم نظرياً، لكن يصطدم بالواقع العملي وكيفية تنفيذه... كيف كان ينادي الجميع بعدم أخونة الجيش ثم نسمح بأن يتحزب فصيل للإخوان وآخر لليبراليين وثالث للسلفيين؟».