البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    10.1 تريليونات قيمة سوق الأوراق المالية    تستضيفه السعودية وينطلق اليوم.. وزراء الأمن السيبراني العرب يناقشون الإستراتيجية والتمارين المشتركة    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    البرهان يستقبل نائب وزير الخارجية    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    كاساس: دفاع اليمن صعب المباراة    قدام.. كلنا معاك يا «الأخضر»    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة    جواز السفر السعودي.. تطورات ومراحل تاريخية    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    ورشة عمل لتسريع إستراتيجية القطاع التعاوني    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مترو الرياض    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    المملكة ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن فلسطين    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب القصير من طرابلس إلى الأنبار والموصل!
نشر في الحياة يوم 27 - 05 - 2013

لا يمكن اعتبار مؤتمر «جنيف - 2» محطة مفصلية على طريق إيجاد تسوية سياسية في سورية. لم يُبْدِ طرف واحد من المعنيين حتى الآن مسحةَ تفاؤل بنتائجه المتوقعة، لا قبل انعقاده ولا بعده، ليس لأن الأزمة عصية على الحل، بل لأن ما يجري ميدانياً من قتال وفرز وتطهير وأرض محروقة يرسم خريطة جديدة للبلاد ويتجاوز الأهداف المتوخاة من المؤتمر، ولأن البلاد تحولت قبلة لشتى أنواع حركات «الجهاد»، ولأن المتصارعين في الداخل، وإن اختاروا ممثليهم إلى طاولة التفاوض أو الحوار، إنما يتوجهون إليه تحت شعارين: المعارضة تريده مقدمة لتنحي الرئيس بشار الأسد ورحيل نظامه وتشترط وقفاً لإطلاق النار. والرئيس وفريقه وحلفاؤه في الداخل والخارج ينشطون ميدانياً لتأكيد قدرتهم على الحسم وبقاء النظام تالياً، كما أن مناصري الطرفين في الخارج هم الذين يتحدثون باسمهما ويحددون لهما الأجندة والمواقف المطلوبة، أي أن إيران تقرر وتتمسك ببقاء حليفها، و «أصدقاء» المعارضة يغرقونها بجملة من الخطوات والمطالب.
لذلك تبدو الأزمة عصية على الحل، لأن ما يجري لم يعد يقتصر على مدى رغبة المتصارعين في الداخل وقدرتهم على القرار، بقدر ما باتت التسوية جزءاً من تسويات أكبر تنتظر جملة من المحطات والاختبارات، حتى أنها لم تعد تتعلق بالقوتين الأساسيتين، الولايات المتحدة وروسيا وحدهما، فالخلاف على القوى الإقليمية المدعوة إلى المشاركة في جنيف يشي ببساطة أن ثمة أطرافاً أخرى يجب أن تتفاهم في ما بينها أولاً، على أن يشمل هذا التفاهم الأزمة السورية وملفات أخرى كثيرة معلقة في الإقليم، أي أن المؤتمر الدولي الذي يمكن أن يشكل بداية تفاهم بين واشنطن وموسكو، يجب أن يشكل أيضاً بداية تفاهم بين القوى الإقليمية النافذة، مثل تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية وقطر ودول عربية أخرى، وهذا ما لا تشير إليه التطورات حتى الآن. حتى لا نتحدث عن غياب أي تفاهم بين أميركا والجمهورية الإسلامية التي تلقي بثقلها كاملاً، سياسياً وعسكرياً، خلف الرئيس الأسد، وخلف حكومة نوري المالكي وخلف «حزب الله»! وحتى لا نتحدث عن موقع إسرائيل وموقفها من مستقبل الوضع.
ليس جديداً أن النظام يستعد للمؤتمر الدولي بالسعي إلى تحقيق انتصارات على الأرض في القصير وغيرها، لقلب ميزان القوى على الأرض وفي جنيف أولاً وأخيراً. والهدف إطاحة فكرة التغيير أو الانتقال السلمي للسلطة، في حين أن المعارضة تجد نفسها بين نارين أو ضغوط يصعب تجاوزها: «الأصدقاء» يطالبونها بوقف الحديث عن «رحيل» الرئيس السوري قبل «جنيف – 2»، لئلا تتحمل المسؤولية عن فشله أو عدم عقده. ولا يبدو أن طرفاً منهم قادر على إعطائها ضمانات مسبقة لرحيله. يكتفي بعضهم أو جلهم بالإعلان أن لا دور للرئيس الأسد في مستقبل سورية. في المقابل، يرفض المقاتلون في الداخل التوجه إلى المفاوضات من دون هذه الضمانات. علماً أن كل المعنيين بالمفاوضات لا يملكون أي سلطة على المجموعات المتشددة والفاعلة التي ترفض أي حوار وأي تسوية، وتلتقي مع النظام في «إيمانها» بأن الحسم العسكري قادم مهما طال القتال!
المعارضة إذن أمام تحدٍّ مفصلي: يجب ألا تكون مسؤولة عن «نسف» المؤتمر، وأمام تحديات أخرى قديمة جديدة تتعلق بتنظيم صفوفها لإقناع «أصدقائها» قبل الآخرين بقدرتها على إدارة الصراع بقرار واحد، سياسي وعسكري. وأمام الائتلاف في إسطنبول هذه الأيام جملة من المهمات، وإذا كان نجح في توسيع دائرته بضم مزيد من القوى الديموقراطية الليبرالية والشخصيات المستقلة ليقيم نوعاً من التوازن مع كتلة «الإخوان» الراجحة اليوم في تركيبته، فإن عليه اختيار رئيس وقيادة جديدين، ثم إلغاء الحكومة برئاسة غسان هيتو، فالتوافق على انتداب ممثليه إلى مؤتمر جنيف واعتماد المواقف المطلوبة فيه.
السوريون ليسوا وحدهم منشغلين بالمؤتمر، فلقد تحول الشغلَ الشاغل لمعظم الأطراف الآخرين المعنيين، يتلمسون الطريق إليه كمن يرجم بالغيب. وزيرا الخارجية الأكثر حماسة، الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، يلتقيان اليوم في باريس لاستقراء آخر المواقف ووضع اللمسات التي لن تكون الأخيرة. ووزراء الخارجية الأوروبيون يجتمعون اليوم في لوكسمبورغ للبحث في العقوبات على سورية. وأمامهم أساساً الموقف البريطاني - الفرنسي الداعي إلى رفع الحظر عن تصدير السلاح إلى المعارضة. وبات واضحاً أن الساعين إلى التسليح يستعجلون قراراً في هذا المعنى لاستعجال المعارضة نحو وحدتها وتنظيم صفوفها، وللتلويح للنظام من أجل دفعه إلى أخذ المؤتمر على محمل الجد. ومن أجل رفع هذه الورقة في وجه حلفاء دمشق، خصوصاً روسيا، إذا فشل «جنيف - 2». بالطبع يتمنى «الجيش الحر» مده بالسلاح قبل الجلوس إلى الطاولة لعله يبدل في ميزان القوى، ويبدل تالياً في النتائج السياسية وصورة المرحلة الانتقالية. ولا تغيب هنا مخاوف كثيرين من أن تؤدي سيطرة النظام و «حزب الله» على مدينة القصير إلى عرقلة المؤتمر وربما إطاحة أي فرصة لتسوية سياسية مستقبلاً.
على رغم هذه المعطيات، يمكن القول إن واشنطن وروسيا فتحتا الطريق إلى جنيف، على وقع الشروط الروسية. وهو ما أربك المعارضة السورية و «أصدقاءها» العرب والأوروبيين وهز ويهز صفوفهم. صحيح أن الرئيس باراك أوباما لا يرغب في انهيار سورية بقدر ما يرغب في تسوية سياسية. ولا يرغب في أن يرى إليها تقع في ما وقعت فيه بلاد مر بها «الربيع العربي». لكن الصحيح أيضاً أنه يرغب في شق طريق طويل من التفاهم مع الكرملين يتجاوز الشرق الأوسط إلى ملف إيران النووي، وقضايا آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وبحر الصين، وغيرها من الملفات المعروفة.
إن نظرية سياسة استنزاف النظام السوري وإيران و «حزب الله» والقوى السنية المتطرفة استهلكت. لقد أفادت الإدارة الأميركية منها فعلاً، سواء اعتمدتها سياسة واضحة أم وفر لها هذه الخدمة خطأ حساباتها في توقع سريع لسقوط نظام الأسد كما حصل في تونس ومصر وليبيا. لكن استمرار الحرب في سورية وانزلاق قوى إقليمية عدة إلى هذا المستنقع بدأ يهدد مصالحها في المنطقة. وليس سراً أن الكونغرس وليس الجمهوريون وحدهم بات يمارس ضغوطاً على إدارة الرئيس باراك أوباما للتدخل عبر الشركاء والحلفاء من أجل التعجيل في رحيل نظام الأسد. وتشير مصادر على صلة بمجلس الأمن القومي إلى أن هذا المجلس بات يحذر الإدارة من تعرض المصالح الأميركية لخطر حقيقي. ولكن يبقى السؤال متى يتدخل الرئيس وكيف سيقرر شكل هذا التدخل. بالطبع لن يكون ذلك قبل قمته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. سينتظر سير «جنيف - 2» قبل أي تعديل في سياسته. وسينتظر أيضاً نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران التي لا يتوقع أن تبدل في سياستها ما دامت حصرت المنافسة بالمرشحين المحافظين.
لذلك بالتوازي مع السعي إلى تسوية لوقف الحرب في سورية أو على الأقل الحفاظ على الحد الأدنى من مواصلة السيطرة على إدارة الأزمة، تسعى إدارة أوباما إلى تهدئة الساحات التي ترقص على وقع هذه الحرب. نجحت موقتاً في دفع كردستان إلى التفاهم مع بغداد لعلها تخفف من غلواء المحافظات السنية فتخفض من سقف مطالبها وتعيد تقويم حساباتها وقوتها الميدانية. لكن الأمر لا يعدو كونه هدنة هشة. فإيران التي أجازت لنفسها ول «حزب الله» الخروج إلى سورية للدفاع عن حلف «الممانعة والمقاومة» تدفع خصومها العرب، والخليجيين منهم خصوصاً، إلى ممارسة «الإجازة» نفسها في الدفاع عن خصوم نوري المالكي وحكومته في الأنبار وشقيقاتها. وكلا «الإجازتين» وصفة لتأجيج التوتر المذهبي في الإقليم.
وتمارس الإدارة أيضاً ضغوطاً على الحكومة اللبنانية وأطراف الصراع لإجراء الانتخابات وعدم تأجيلها، ولقيام حكومة جديدة. ولعل جلسةَ الحكومة المستقيلة اليوم لتشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات البرلمانية واتخاذ التدابير اللازمة لإجرائها على أساس القانون النافذ، أي قانون الستين، وتَدافُعَ قادة الأحزاب والزعماء السياسيين والطامحين لتسجيل ترشيحاتهم، مقدمةٌ لطي صفحة التمديد لمجلس النواب القائم. وإذا حدثت هذه الأعجوبة فإنها لن تعدو كونها هدنة موقتة تبعد إلى حين انتقال حرب القصير إلى شمال لبنان وغير الشمال. وليس سراً أن لبنان بات يعيش على وقع انخراط «حزب الله» في الحرب السورية وتداعياته الداخلية. وإذا كان دوره مفهوماً في ضوء موقعه في «حلف الممانعة» وما يعنيه الجسر السوري لمستقبله، فإن دعوة أمينه العام حسن نصر الله خصومه اللبنانيين إلى تحييد بلدهم وملاقاته في الساحة السورية لا يغيبُ مخاوفَ بعض الدوائر اللبنانية من اختلال التركيبة الديموغرافية للطوائف والمذاهب وموازينها الدقيقة، في ضوء الأعداد الكبيرة للاجئين السوريين. فضلاً عن تبدل المزاج في المخيمات الفلسطينية. ولا يستبعد هؤلاء احتمال انتقال حرب القصير إلى الشمال بذريعة الدفاع عن جبل محسن وأهله... ولن تتأخر طرابلس والشمال عموماً في استدعاء المدد! ألم تكن حدود الانتداب الفرنسي لسورية قبل قيام لبنان الكبير تشمل طرابلس وحمص وحلب... والموصل التي كانت قبل ذلك أيضاً نقطة صراع دائم بين العثمانيين والصفويين؟
العلاج الوحيد والسريع لوقف الحرب في سورية وتدارك انتشارها في الإقليم، أن يتفاهم الأطراف الدوليون والإقليميون على تسوية تحظى بقبولهم جميعاً ليتسنى لهم فرضها على المتحاربين بالقوة، وإلا سقطت البلاد في الفوضى وسقطت معها الهدنة في العراق ولبنان... وحتى الآن لا يبدو في الأجواء سوى دخان الحرائق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.