فجرت الدعوات إلى تشكيل إقليم سني خلافات قوية بين المعتصمين العراقيين في الأنبار. وعلى رغم أن مطالب المتظاهرين تمحورت منذ انطلاقها نهاية العام الماضي، حول إلغاء قوانين اجتثاث البعث والإرهاب وإطلاق المعتقلين وتحقيق التوازن في مؤسسات الدولة، إلا أن الدعوة إلى إقامة إقليم كانت تبرز كلما تصاعد تدخل السياسيين. من جهة أخرى، اتهم المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني «سياسيين» باستغلال العنف الطائفي، ودعا إلى «الابتعاد عن المتطرفين والتكفيريين». ودعا رجل الدين عبد الملك السعدي، الذي يعتبر مرشداً روحياً للمتظاهرين، إلى ابتعاد الأحزاب عن ساحات الاعتصام، خصوصاً «الحزب الإسلامي»، وطرح منتصف الشهر الجاري مبادرة للحوار مع الحكومة، ثم سحبها لاحقاً بعد صدور مذكرات للقبض زعماء عشائريين معروفين، لكنه استمر في معارضة دعاة الإقليم والمواجهة المسلحة. ووقعت اشتباكات بالأيدي في الفلوجة أمس، بين متظاهرين مؤيدين للسعدي وآخرين من «الحزب الإسلامي،» وهو الفرع العراقي ل «الإخوان المسلمين» الذين لم يتمكنوا من إيصال عدد كبير إلى البرلمان على رغم مشاركتهم في العملية السياسية منذ عام 2003، وتعرض حزبهم لهزيمة كبيرة على يد تحالف «القائمة العراقية» الذي تشكل من منشقين عن «الحزب الإسلامي» يقودهم طارق الهاشمي، ومن قوميين يقودهم أسامة النجيفي وصالح المطلك، وعلمانيين يقودهم أياد علاوي. وقال عضو مجلس عشائر الفلوجة، الذي يدعم التظاهرات المناهضة للحكومة في المدينة، الشيخ احمد السعدون في اتصال مع «الحياة» امس، إن هناك «إجماعاً بين كبار رجال الدين السنة في البلاد على رفض مشروع الأقاليم والمواجهة المسلحة مع الحكومة»، وإن «الحزب الإسلامي يحرض على تشكيلها لكن الغالبية من الاهالي يرفضون ذلك». وأفاد الناشط في تظاهرات الرمادي عبد الحميد الراوي «الحياة»، أن «قادة الحزب الإسلامي وعدداً من النواب والسياسيين في المحافظة فوجئوا ببيان السعدي وقرروا تجاهله». لكن ذلك ليس سهلاً، خصوصاً إذا أُضيفت فتاويه إلى فتاوي مفتي الديار العراقية الشيخ رافع العاني الذي يشترك معه في الموقف. وعلى رغم أن الشيخ السعدي معروف في الأوساط السنية منذ سنوات إلا أن التظاهرات الأخيرة حولته إلى مرجع يقتدى برأيه، وكان أئمة وخطباء يتبعون «الحزب الإسلامي» دعموه في وقت سابق لكنهم افترقوا عنه عندما أبدى رفضاً مطلقاً لخيار الإقليم السني. إلى ذلك، علمت «الحياة» من مصادر موثوق بها، أن رئيس الحكومة نوري المالكي كان عرض بالفعل على المحكمة إسقاط التهم عن وزير المال المستقيل رافع العيساوي، لكن القضاء رفض. وأكدت هذه المصادر أن عرضاً آخر يتم بحثه الآن يتضمن إعلان عفو خاص عن الشخصيات السنية التي صدرت بحقها أوامر اعتقال، وأبرزها بالاضافة إلى العيساوي، زعيم «صحوة العراق» احمد ابو ريشة، وزعيم قبائل الدليم علي الحاتم. من جهة أخرى، قال صالح الحيدري، رئيس الوقف الشيعي، خلال صلاة موحدة بين السنة والشيعة في بغداد، إن «المرجع الشيعي علي السيستاني اتهم فرقاء سياسيين بممارسة العنف للحصول على مكاسب سياسية»، وشدد على أن «يسعى الخطاب الإسلامي المعاصر إلى الابتعاد عن التكفيريين والمتطرفين ومريقي الدماء». وأوضح أن «المرجعية الدينية بلسان السيستاني تحض على الوحدة أيضاً وتؤكد أنه لا يوجد صراع ديني بين الشيعة والسنة في العراق، بل هناك صراعات سياسية»، وأشار إلى أن «المرجعية تنبه إلى أن من الفرقاء من يمارس العنف الطائفي للوصول إلى مكاسب سياسية».