تتركز المواد المتعلقة بالتلفزيون، والتي تنشر في هذه الزاوية، حول الجوانب المهنية، وتتناول مسائل سياسية وفنية وثقافية متصلة بالمادة الاعلامية المرئية. ولكن لا ننتبه عموماً إلى مسألة ذات بعد أخلاقي، وتمس العمل التلفزيوني في شكل مباشر، ونقصد بذلك المواد المصورة التي تظهر معاناة اشخاص في مكان وزمان ما. ها هو المصور التلفزيوني منهمك بتوثيق المشهد أمامه، وفي المشهد نرى رجلاً يستغيث، أو طفلاً يبكي، أو امرأة تستنجد. نرى بشراً تحت أنقاض بناية، أو عصفت بهم كارثة طبيعية، ونرى حقلاً يحترق، أو قذائف تنذر بموت وشيك... كل هذه المشاهد نجدها على الشاشة وهي مصورة، بلا شك، بكاميرا يديرها أحد المصورين. والسؤال الأخلاقي والإشكالي، هنا، هو: هل على المصور ان يترك كاميرته ويهرع لنجدة المبتلين بالكوارث والأخطار؟ ثم هل سيغير ذلك منحى القدر المتربص بهؤلاء وأولئك ممن تمتحنهم الطبيعة حيناً، والسياسات القاتلة أحياناً، والتقديرات الخاطئة في مرة ثالثة؟ لا أحد يستطيع ان يجزم بتقديم إجابة حول هذه الإشكالية الأخلاقية. لكن الأكيد أن المصوّر لو شعر أن تركه للكاميرا والانضمام الى الجمع الغفير لانتشال جثة او إنقاذ فتى او إطفاء حريق، سيغير مسار المأساة، لكان فعل. وربما كانت هناك حالات من هذا القبيل اذ غلب الحسّ الإنساني على الحسّ المهني لدى المصور، فيهرع لنجدة أولئك الذين دهمتهم الكارثة، بيد انه عندما فعل ذلك، كما نفترض، لم يبق أحد كي يوثّق الحالة، فالكاميرا مطفأة، الآن، وعمل المصور الأخلاقي غدا حالة انسانية تعيش في الضمائر، من دون أن تعرض، قط، على شاشة. ثمة مسألة أخرى ربما تخفف من تأنيب الضمير لدى المصور الذي يشعر ان مساعدته لن تجدي نفعاً، وبالتالي فإن الواجب الاخلاقي، وليس المهني فقط، يحتّم عليه أن يستمر في تصويره حتى يتمكن من نقل معاناة وهموم هذه الشريحة أو تلك الى الفضائيات كي يشاهدها الجمهور العريض والساسة والمسؤولون. أكثر من ذلك، فإن المصور، ذاته، يخاطر بحياته، أحياناً، كي ينقل حقائق غائبة. ولا يحتاج الأمر، هنا، الى برهان، إذ ان كثراً من المصورين الصحافيين فقدوا حياتهم في مناطق النزاعات والحروب، وما كان ذلك ليحدث لولا شعور المصور بأن ثمة حقيقة خفية وأن عليه كشفها، ووجود دافع نرجسي ذاتي، بهذا القدر أو ذاك، في هذه المغامرات لا يقلل من قيمة ما يقوم به. ليس من شأن هذه الزاوية إعطاء دروس في الأخلاق، ولعل المصور الصحافي الذي يقتحم الأخطار والصعاب كي يعود بصور مؤثرة وذات دلالة، لن يتأخر في تقديم يد المساعدة لمن يحتاج اليه. وقد تكون هناك استثناءات ولكن، عندئذ، علينا ان نتحدث عن «جنرال يحمل كاميرا»، لا عن مصور ضالته الحقيقة فحسب!