الضجة التي تتناول التدخل الخارجي في القتال الدائر في سورية تتركز على «حزب الله» اللبناني، علماً ان مقاتلين اجانب كثراً انضموا الى هذا القتال. ومن هؤلاء المقاتلين متشددون سُنة جاؤوا من بلدان متنوعة ليحاربوا النظام، ومنهم ايضاً شيعة جاؤوا من لبنان والعراق وغيرهما ليحاربوا المعارضة المسلحة. هؤلاء المقاتلون الاجانب يتدخلون في القتال السوري، و «حزب الله» يتدخل ايضاً. لماذا التركيز على «حزب الله»؟ من البديهي ان يكون كل قتال أهلي مكروهاً ومستنكراً، وان يكون اي تسعير له مداناً، وان يكون اي تدخل خارجي فيه انتهاكاً للسيادة وعدواناً عليها. وليس هناك، تحت اي ذريعة كانت، من تدخل خارجي في قتال أهلي شرعي وآخر غير شرعي، ما لم يكن صادراً بقرار من مجلس الامن. وهذا ما لم يحصل بعد في الحالة السورية. عندما جرى الحديث عن «جبهة النصرة» لم تكن المسألة اذا كانت تضم اجانب يقاتلون في صفوفها، وانما كانت المسألة في ايديولوجيتها المتطرفة التي اكسبتها صفة «الارهاب». لكن الحديث عن «حزب الله»، لمناسبة معارك القصير التي يشارك فيها بضراوة وحيث سقط له عشرات القتلى، باتت المسألة «اعتداء» على سيادة و «احتلالاً»، لأن الحزب يمثل كياناً سياسياً معلناً لولاءاته وارتباطاته مع ايران، وتصبح مشاركته في القتال «تدخلاً» في شأن دولة اخرى، في نظر القانون الدولي. في حين ان مقاتلي «جبهة النصرة» يظلون افراداً لا يرقى وضعهم الى «التدخل»، مهما صدرت منهم من ممارسات مشينة ومهما كانت الجرائم التي يمكن ان يرتكبوها، وهم يحاسبون استناداً الى القانون الجنائي. في هذا المعنى ترقى مشاركة «حزب الله»، بما يمثله، الى «التدخل الخارجي»، مع ما ينطوي عليه ذلك من تبعات في نظر القانون الدولي. ولهذا يزداد الاهتمام باتساع هذه المشاركة التي تعكس بدورها اتساع المشاركة الايرانية التي تقع ايضاً تحت طائلة هذا القانون. وفي موازاة ذلك، تظهر هذه المشاركة العلنية ل «حزب الله» في القتال السوري تغيراً استراتيجياً في الخطاب السياسي، تبعاً لتحول وظيفته اللبنانية السابقة الى اداة تدخل ايراني معلن ومعترف به في شؤون سيادية لدولة اخرى. وربما في اضطرار الحزب الى كشف هذا التغير في وظيفته الاولى نكوص من ادعاء الدور السياسي العام، تحت شعار «مقاومة» احتلال اسرائيل لأراضٍ لبنانية، الى دوره الاساسي كحزب شيعي يتبع مرجعية «ولاية الفقيه»، تحت شعار الدفاع عن محور «الممانعة» هذه المرة. كان استثمار الحزب ل «المقاومة» في لبنان، ناجحاً. او على الاقل كان يحظى بدعم سياسي من غالبية اللبنانيين ومن مختلف الطوائف، ما دام هؤلاء يعتبرون انه يقاتل اسرائيل لتحرير الارض، من دون التوقف كثيراً الى معنى ان يكون هذا الحزب بالذات، مع ما يمثله، «المكلف» ب «المقاومة والتحرير». بالانتقال من «المقاومة» الى «الممانعة» بات الحزب مضطراً الى الدفاع عن النظام السوري، ليس بوصفه حليفاً سياسياً، وانما ايضاً بوصفه أقلوياً، اي بوصفه حليفاً طائفياً. ومن اجل تبرير التدخل العسكري، تدرج موقف الحزب، منذ اندلاع الازمة السورية، من تفهم المطالب الشعبية وضرورة تلبيتها تحت سقف النظام، الى ان ثمة متسللين وعملاء بين المحتجين ينبغي التصدي لهم، الى ان ثمة لبنانيين يعيشون في الجانب السوري من الحدود يدافعون عن انفسهم، الى ان ثمة مقامات شيعية مهددة من التكفيريين، الى توجيه ضربة استباقية الى التكفيريين في سورية وحمايتها من الوقوع في ايديهم. اي ان حماية الضلع السوري في محور «الممانعة»، يقتضي القتال ضد الغالبية الشعبية الكاسحة في سورية لمصلحة النظام الأقلوي، وهذا ما يفسر ضراوة القتال في القصير وحجم الخسائر التي يتكبدها الحزب هناك، كون ريف حمص عقدة الوصل بين العمق الشيعي اللبناني والعمق الأقلوي في سورية.