دمشق، عمان – الشرق مجالس عزاء في الكاظمية والنجف وبابل لعراقيين سقطوا في الداخل السوري لم يكن المواطن العراقي حسن العبادي «54 عاماً» على علم بتوجُّه نجله «أبو فاطمة» «22 عاماً» إلى سوريا للقتال إلى جانب قوات النظام، إذ كان يعتقد أنه سافر مع أصدقائه إلى إيران لغرض السياحة كما أخبره. «العبادي» أوضح، أثناء مجلس عزاء مشترك أقيم ل «أبو فاطمة» وشاب عراقي آخر يدعى «مجتبى الحسني» وحضرته «الشرق»، أن الاثنين قُتِلَا في اشتباك مع مسلحين من المعارضة السورية، مؤكداً أن الجثمانين وصلا إلى منطقة بغداد الجديدة في 5 إبريل الماضي. ووفقاً للعبادي، فإن نجله والحسني كانا ينتميان إلى لواء «أبو الفضل العباس» الذي يرتبط ب «كتائب حزب الله- فرع العراق» المدعومة من إيران. ويضيف «ابني كان عاملاً في مصنع للصابون قبل أن ينضم إلى مجموعة أصدقاء متشددين غير متعلمين حاولت مراراً ردعه عن مرافقتهم، لكنه رفض». شهادات ومؤشرات ويؤكد شباب عراقيون أن الدعوات إلى التطوُّع للقتال دفاعاً عن المراقد الشيعية في سوريا، كضريح السيدة زينب في غوطة دمشق، قائمة على قدم وساق في المدن الشيعية في العراق. ويقول حسن الساعدي، من المحاويل، إنه سجل اسمه في قائمة تطوع تضم العشرات من المتهيئين للانضمام إلى لواء «أبو الفضل العباس» في سوريا، مبدياً قناعته بأن العملية تطوعية لا تمثل أي حزب أو مجموعة سياسية أو دينية. ويؤكد علي حسين، من الديوانية، أن «عراقيين من مناطق مختلفة يقاتلون الآن في سوريا، وسقط منهم شهداء دفاعاً عن مرقد السيدة زينب في ريف دمشق»، أما عصام الياسري فيشير إلى أن مجالس عزاء أقيمت في بابل والنجف والديوانية لعراقيين سقطوا دفاعاً عن المراقد الشيعية في سوريا. ومن مدينة الصدر، يلفت حسين الشامي إلى أن شقيقه يقاتل الآن في سوريا وأرسل إليه صورة وهو في ساحة القتال هناك، وفي أحد جوانب نفس المدينة، عُلِّقَت على واجهات المتاجر وبعض الساحات صور لمرقد السيدة زينب بدا فيها متضرراً من آثار القصف، وكُتِبَت تحت الصور عبارة «لبيك يا زينب كلنا فداؤك». وفي مدينة الشعب في العاصمة بغداد، تفيد لوحة نعي لشاب عراقي بأنه استُشهِدَ في فبراير الماضي دفاعاً عن مرقد السيدة زينب، وتضم لوحة النعي صورة للشاب وخلفُهُ مرقد السيدة زينب ويحيط به مقاتلون. وفي منطقة الكاظمية ببغداد، شُيِّعَ عضوٌ في ميليشيات أبو الفضل العباس اسمه «كرار الفتلاوي» وكان يُقاتِل إلى جانب قوات النظام في منطقة السيدة زينب في ريف دمشق، كما شُيِّعَ قتيل آخر يدعى «أبو كرار الحميداوي» من مدينة النجف وقُتِل أيضاً في السيدة زينب. وفي سياقٍ متصل، كشفت كتائب حزب الله في العراق، التي يتزعمها رجل إيران القوي، العراقي أبو مهدي المهندس، عن تشييع عددٍ من قتلى ما عُرِفَ بجيش «أبو الفضل العباس» في دمشق خلال المواجهات بين قوات بشار الأسد من جهة والجيش السوري الحر وجبهة النصرة من جهة أخرى. ولواء «أبو الفضل العباس» قوة عسكرية شيعية تأسست العام الماضي بغرض حماية مرقد السيدة زينب في دمشق بعد انتشار تهديدات من قِبَل جبهة النصرة بتدميره. وجميع مقاتلي هذا اللواء إما من العراق ويُعتقَد بانتمائهم إلى التيار الصدري، أو من لبنان وينتمون إلى حزب الله، أو من سكان ريف دمشق العراقيين الذين هربوا من بلدهم بعد أحداث العنف الطائفي عام 2006، وهذه الفئة الثالثة هي الأغلبية في اللواء. ويعد مرقد السيدة زينب أحد أهم المزارات الإسلامية في العالم، ويؤمه مئات الزوار يومياً. وتؤكد مصادر شيعية مطلعة أن 3 ميليشيات اشتركت في توزيع استمارات التطوع لتشكيل هذا اللواء «أبو الفضل العباس»، وهي ميليشيا «اليوم الموعود» التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وميليشيا «عصائب أهل الحق» التابعة لرجل الدين المنشق عن جيش المهدي الشيخ قيس الخزعلي المتحالف مع رئيس الحكومة نوري المالكي، ومليشيا «كتائب حزب الله» التي سبق لها أن أعلنت تشكل «جيش المختار» بقيادة رجل الدين الشيعي واثق البطاط الذي اعترف بعلي خامنئي بصفته «ولي أمر المسلمين». عودة القتلى وعن عودة القتلى في المعارك، يقول العقيد الركن باسم خلف العبيدي، من قيادة قوات حرس الحدود العراقية «اللواء الثالث – المنطقة الثانية»، إن منفذ الوليد الحدودي استقبل في أيام 28 مارس و5 و9 إبريل الماضية جثامين 7 شباب عراقيين تتراوح أعمارهم بين 17 و30 عاماً «جميعهم قُتِلُوا في معارك داخل سوريا». ويوضح العبيدي ل «الشرق» أن «جوازات سفر هؤلاء تبين أنهم خرجوا إلى إيران وليس إلى سوريا، وهناك حلقة مفقودة بين خروجهم إلى إيران ومن ثم وصولهم جثثاً إلى العراق قادمين من سوريا»، ويضيف إن «قتلى القاعدة من العراقيين في سوريا لا يصلون إلينا، فهم يدفنون هناك، لكن تصل جثث من كان يقاتل مع نظام الأسد». ويتابع بقوله إن «هناك جهات تابعة لإيران تقوم بإرسال شباب عراقيين إلى إيران بحجة السياحة الدينية، ومن ثم يتم تدريبهم ومنحهم مبلغاً مالياً مناسباً ليُرسَلوا إلى سوريا جواً». ويكمل العبيدي «لدينا معلومات عن وجود معسكرات تدريب في إيران قرب الحدود العراقية مخصصة لتخريج المقاتلين لإرسالهم إلى سوريا» ومن ضمنهم لواء «أبو الفضل العباس» الذي يضم عراقيين ولبنانيين وسوريين من الطائفة العلوية بقيادة ضباط إيرانيين». موقف المرجعيات الدينية بدورها، اعتادت المرجعيات الدينية الشيعية في النجف عدم التعليق على مثل هذه الأخبار مكتفيةً بالصمت، لكن بعض الخطب الدينية، ومنها خطب وكلاء المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، تشدد على أهمية الدفاع عن مرقد السيدة زينب ضد محاولات هدمه من قِبَل من يصفونهم ب «التكفيريين الذين سعوا سابقاً إلى تدمير مرقد الإمامين العسكريين في جامع سامراء المذهب ما أدى لنشوب الحرب الطائفية في العراق في الفترة من 2005 وحتى 2008». من جانبه، علق المرجع الديني، الشيخ قاسم الطائي، على قضية تشكيل لواء عسكري للدفاع عن مرقد السيدة زينب بالقول «إن الفكرة بدأت من النجف الأشرف من خلال مجموعة من الشباب استأذنونا في تشكيل لواء أبو الفضل العباس، وأرسلت لهم فيما بعد رسالة واضحة، أخذت على أيديهم وباركت لهم العمل لأنه يمثل قضية أساسية بالنسبة للمذهب الشيعي».وذكَّر المرجع الديني، في حديثٍ علمت «الشرق» بمضمونه من مصدرٍ مقرب إلى الطائي، بتفجير قبة الإمامين العسكريين، وأضاف «لكي لا تتكرر المأساة في سوريا وافقنا على تشكيل لواء أبو الفضل العباس في سوريا وأكدنا للشباب أنه ينبغي علينا المحافظة على مرقد السيدة زينب، بل نعتبر الدفاع عن مرقدها أمراً ضرورياً جداً للمحافظة على السلم في العراق فضلاً عن سوريا». وتابع «قبل فترة جاءني مجموعة من هؤلاء المؤمنين من لواء أبو الفضل العباس ليشكروني على دعمهم والإذن لهم وليؤكدوا لي أنني المرجع الوحيد الذي شجعهم»، مرجعاً زيارته إلى المرقد في سورياً إلى رغبته في التأكد من الأخبار التي تصل عن وضعه.وشدد على أن المسألة تبقى في حدود الدفاع عن المرقد «لا أبعد من ذلك، ولا يمثل عملنا تدخلاً إلى جانب أحد الطرفين في سوريا؛ لأن هذا بعد سياسي لا نتدخل فيه وما يهمنا الدفاع عن مقدساتنا». وعن اهتمام الشباب بالانضمام إلى لواء «أبو الفضل العباس»، أشار الطائي إلى ما سمَّاه تفاعلاً من «المجتمع المسلم» مع تشكيل هذا اللواء، وأفاد ب «أن كثيراً من الشباب المتدين بعد زيارتنا الأخيرة إلى سوريا أصبح مندفعاً ولديه رغبة شديدة في الالتحاق بهذه الخدمة للتدليل على الارتباط بأهل البيت».وكشف الشيخ الطائي أنه سلَّم راية الإمام المهدي إلى مسؤول لواء «أبو الفضل العباس» في الصحن الزينبي وحثه واستأمنه هو والمجاهدين على عدم سقوط هذه الراية مهما كلف الأمر، باعتبار أنها مثل العلم الوطني لكل بلد، كما تفقد مكتب المرجعية الذي تم افتتاحه هناك بعد خلو الساحة من مكاتب العلماء في هذه الظروف الصعبة. في المقابل، نفى التيار الصدري بشدة الأنباء التي تحدثت عن وجود علاقة بين جناحه المسلح «جيش المهدي» ولواء «أبو الفضل العباس»، كما أكد عدم وجود أي علاقة بينه وبين المرجع الديني الشيخ قاسم الطائي، في حين وصفته مواقع ناطقة باسم «لواء العباس» ب «القائد الفعلي للتيار الصدري». ويقول أحد النواب عن كتلة الأحرار النيابية التابعة للتيار الصدري، جواد الجبوري، ل «الشرق» إن «الشيخ قاسم الطائي ليس هو المرجع الحقيقي للتيار الصدري»، مظهراً استغرابه مما تورده بعض وسائل الإعلام التي تربط بين الطائي والتيار.