على رغم التشديد على أن الوقاية هي الوسيلة الأجدى في مكافحة الأوبئة الفيروسية (بل الأوبئة عموماً)، ربما توجّب إثارة نقاش عربي معمّق في مسألة التجارة العالمية للأدوية وعلاقتها مع «منظمة التجارة العالمية»، وتحديداً مسألتي «الأدوية الصِنفية» Generic Drugs (التي تسمى أيضاً «البديلة» و «المُقلّدة») وجولة «الدوحة». وللشرح، يطلق مصطلح «الأدوية الصِنفية» على العقاقير التي تصنع خارج سيطرة الشركات العملاقة للأدوية. وتحتوي «الأدوية الصِنفية» على المركّبات الفعّالة نفسها التي تضمها أدوية تلك الشركات الغربية، لكنها لا تُنتج ضمن غطاء الملكية الفكرية لتلك المركّبات. ومن المهم القول ان هذه الأدوية فعّالة، كأدوية الشركات الكبرى، وأنها ليست مُزوّرة، بل هي إنتاج علمي مُحكم لكنه يخرج عن سيطرة الشركات الكبرى التي تملك براءات الاختراع بالمركّبات الفعّالة. ولعل فعالية الأدوية الصنفية هي التي تثير الاهتمام، ذلك أن الشركات الكبرى لا تستطيع الادعاء أن هذه الأدوية عديمة الجدوى، بل تقول ان الشركات العالمثالثية في الهند والبرازيل تنتج تلك الأدوية من دون الحصول على ترخيص من الشركات التي تملك براءات اختراعات عن المكوّنات الفعالة في الأدوية. وفي جولة مفاوضات «منظمة التجارة العالمية» التي عقدت في الدوحة (تشرين الثاني - نوفمبر 2001)، طرحت بلدان العالم الثالث مسألة «المبدأ الإنساني»، انطلاقاً من التجربة مع وباء الإيدز. لنستهل بالقول ان الدول العربية لا تملك، في معظمها، شركات قوية في صناعة الأدوية المضادة للفيروسات. ولا توجد سوى حالات قليلة عربياً لشركات تنتج أدوية صنفية، لأسباب كثيرة، منها الضغوط المعروفة التي تمارسها «منظمة التجارة العالمية» في هذا الشأن. وفي «جولة الدوحة»، أوردت بلدان العالم الثالث أن علاج مريض الإيدز بأدوية الشركات الغربية، يتكلف بضعة آلاف من الدولارات سنوياً، الأمر الذي لا يتناسب مع الامكانات المادية الضعيفة لمرضاها. وفي المقابل، من المستطاع علاج جزء كبير من هؤلاء المرضى، في حال السماح باستخدام الأدوية الصِنفية، التي تحاربها «منظمة التجارة العالمية»، مع التشديد على أن تلك الأدوية تنتج تحت إشراف علمي وعملاني من الدول التي تُرخّص لها مثل الهند والبرازيل، وأنها تحتوي على المُكوّنات الدوائية الفعّالة نفسها التي تحتويها أدوية الشركات الكبرى. وبعد مفاوضات مريرة، اضطرت «منظمة التجارة العالمية» للتسليم بإعطاء أولوية للمبدأ الإنساني، أي ملاقاة حاجات الناس المُلحّة للشفاء من مرض الإيدز القاتل، على مبدأ الملكية الفكرية وحقوقها. إذا طال الصراع مع «أنفلونزا أنكوف»، فهل تجرؤ الدول العربية على استخدام «المبدأ الإنساني»، بمعنى أن تنفتح على الأدوية الصنفيّة «جنريك»، بدل استنزاف أموالٍ ضخمة في شراء أدوية الشركات العملاقة؟ سؤال ربما ما زال مبكراً، لكنه يمثّل قلقاً لا يخلو من المشروعية.