إحدى القضايا التي برزت على الساحة أخيراً قضية الاحتكام للمحكمة الشرعية من الدكتور عيسى الغيث ضد الدكتور محمد العريفي، ويمكن للمتأمل أن يلاحظ رد الفعل الاجتماعي على هذه القضية، ومن ثم يقيس عليه مدى تقبل الناس لمسألة الاحتكام إلى الشرع بغض النظر عن دوافع الجماهيرية التابعة لقناعات كل منهما، وأظن أنها ستضع بصمة للتأثير الإيجابي في الفكر الاجتماعي لأن المدعي يحمل فكراً متزناً أقرب إلى العقلانية وأراه صاحب موقف أخلاقي عظيم، وأعتقد أنه الأكثر تأثيراً، وذلك من خلال إيضاحه لموقفه وأسبابه. لست بصدد الحديث عن تفاصيل القضية التي استشهدت بها في هذه المقالة، فهي من الشؤون الشخصية، وليس في حديثي الآتي تحديداً لموقف أي منهما، ولكن هذا الذي حدث أتاح لنا فرصة الحديث عن مفهوم الناس العام تجاه الاحتكام إلى المحاكم رغبة في حل مشكلاتهم الحياتية ومعالجاتها، فمن المنطقي أنها لا تصل إلى هذا الحد إلا إذا استعصى حلها، وأعني من هذا أن الاحتكام إلى الشرع هو جزء من الحل، والإشكالية الاجتماعية تأخذ وجهين في هذا الأمر، الأول: أن المجتمع لم ينشأ على ثقافة الحقوق الإنسانية، والآخر: أن المخطئ لا يقر بالخطأ ولا يعتذر عنه إلا من رحم الله، لأنه يجد في ذلك حطاً من قيمة ذاته، وبالتالي يظن بأن الشخص الذي ادعى عليه، اعتدى عليه في الوقت نفسه، وهذا الموقف السلبي يؤزم معالجة المشكلات ويعقد الطريقة في حلها. كان صحبة رسول الله «صلى الله عليه وسلم» يحتكمون إلى الرسول في حل شؤونهم، وكلما وقع الخلاف بينهم، في نمط أخلاقي ومثالي رائع، فلا يتعالى أحد منهم على الآخر، ولا ينزه نفسه عن الخطأ، ومن خلال التاريخ يمكننا أن نجد أحداثاً تدل على أنهم اختلفوا في كثير من المسائل، وعلى رغم ذلك إلا أن اختلافهم لم يكن يؤدي إلى التناحر والتباغض والشقاق الذي يحدث اليوم بين الناس، فقد عاشوا إخوة متحابين ومتآخين. فإذا كانت المحاكم تعطي دوراً إيجابياً في حل شؤون الناس، فإن المدعي يعطي دوراً إيجابياً في تأديب خصمه، فإن كان التسامح من الفضائل فالاعتراف بالخطأ مطلب حضاري، وبذلك فإن وعي الناس بضرورة حل مشكلاتهم بالرضا والقناعة حتى لو وصلت للقضاء كحل نهائي، وهذا من السبل الإيجابية في تآلف المجتمع، وما يؤسف أن اختلافنا في هذا الزمن أصبح اختلافاً سلبياً، أنعدمت فيه القيم والأخلاق، فالناس ينساقون وراء جهلهم، خصوصاً في شأن الاعتداد بالنفس بالشكل السلبي الذي يقود الإنسان إلى ظلم نفسه وظلم الآخرين، غير أن الانقياد والطاعة للمثول أمام القاضي، إضافة إلى تقبل موقف الآخر يعود إلى مدى وعي الفرد واستعداده لمعالجة أخطائه، وأرى أيضاً أن الإسهام في وعي المجتمع يحفز ذلك ويعين على حل الكثير من المشكلات، كذلك تفعيل الوعي بحقوق الإنسان لدى الأفراد كافة في المجتمع يساعد في الحد من النزاعات، وهذا ما يجب أن تشارك في إدراكه جميع الهيئات والمؤسسات الإجتماعية بمختلف توجهاتها، لأن المشكلات قد تنشأ في أي إطار إجتماعي، وفي مقدم هذه الوسائل جهات الإعلام، لأن هذا بدوره يرفع نسبة الوعي سعياً لتعديل الكثير من السلوكيات الشائعة وانتقال الأفراد من حالات التشكي والإحساس بالظلم إلى المشاركة الاجتماعية الفعالة والإيجابية. [email protected] @alshehri_maha