يطرح الاعتداء الذي استهدف حافلة للجيش اللبناني كانت تثقل عدداً من العسكريين المتوجهين الى مراكز عملهم وأدى الى استشهاد الجندي جمال الهاشم أسئلة حول خلفية هذا الاعتداء الذي هو الثالث من نوعه في المنطقة الواقعة بين بلدتي خربة داود والبيرة في عكار التي يوجد فيها أكثر من 300 ألف نازح سوري لجأوا الى لبنان نتيجة الحرب الدائرة في سورية، من دون أن يعني ذلك ان أصابع الاتهام موجهة تلقائياً الى النازحين، بمقدار ما يستدعي العمل بسرعة من أجل ضبط الوضع المتفلت أمنياً من حين الى آخر. وقالت مصادر أمنية رسمية ل «الحياة» ان المجموعة المسلحة التي كمنت للحافلة اختارت المكان الذي استخدمته لإطلاق النار عليها ليكون ملائماً لإصابة العدد الأكبر من ركابها، لكن تمالك السائق أعصابه ومتابعته السير بسرعة فائقة «حصرا الضحايا بشهيد واحد من الجيش». (للمزيد) وكشفت ان المجموعة المسلحة اختارت أيضاً المكان والزمان نفسيهما اللذين سبق لمجموعات مسلحة أن اختارتهما لحافلتين كانتا تقلان عسكريين للالتحاق بمراكز عملهم. وأكدت ان الاعتداء حصل فجراً وأن المكان الذي حصلت فيه الجريمة لا يبعد أكثر من كيلومترين عن المكانين اللذين وقعت فيهما الجريمتان في السابق. ولفتت الى ان المجموعة الإرهابية المسلحة لم تنصب كميناً عشوائياً، وهي اختارت التوقيت المناسب الذي تعبر فيه الحافلات التابعة للجيش لتقل العسكريين من بلدات عكارية للالتحاق بمراكز عملهم، اضافة الى انها حددت المكان لتمركزها في منطقة يضطر السائق فيها الى التخفيف من سرعته بسبب وجود مطبات من ناحية ووعورة الطريق من ناحية ثانية. وأضافت هذه المصادر ان المجموعة المسلحة تمركزت بالقرب من منزلق كان يمكن ان يتسبب بسقوط أكبر عدد من العسكريين لو أصيب سائق الحافلة اصابة مباشرة تجعله غير قادر على ان يتابع سيره وبالتالي يفقد السيطرة عليها لتنزلق الى الوادي. وأجمعت المصادر على ان هدف المجموعة المسلحة هو استهداف الجيش، واستبعدت ان يكون لهذه الجريمة بعد طائفي بذريعة ان الاعتداءين السابقين أديا الى استشهاد جنديين، الأول سنّي من بلدة تكريت والثاني علوي من بلدة الريحانية. وتوقفت أمام ردود الفعل العفوية للبلدات العكارية التي سارع أهلها الى التضامن مع بلدة القبيات مسقط الجندي الشهيد الهاشم سواء من خلال قطعهم الطرقات وإشعال الإطارات استنكاراً لهذه الجريمة أو عبر توافدهم الى القبيات لتقديم التعازي لذوي الفقيد. وكان الاعتداء على الحافلة حاضراً في لقاء رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام مع نائب عكار هادي حبيش في حضور عدد كبير من رؤساء بلديات المنطقة على رغم ان الاجتماع كان مخصصاً لملاحقة قضية العسكريين المخطوفين لدى «جبهة النصرة» و «داعش». وعلمت «الحياة» ان رؤساء البلديات أثاروا مع الرئيس سلام الأعباء المترتبة على عاتق بلدياتهم نتيجة حركة نزوح السوريين الى عكار في ظل غياب الدعم الرسمي والدولي والاقليمي، واضطرارهم الى تطويع عدد كبير من حراس البلدية لضبط وجودهم في البلدات العكارية. كما أثار هؤلاء مع الرئيس سلام قضية عدم قدرة بعض البلدات على تلبية حاجات النازحين الموجودين فيها بأعداد كبيرة تفوق بأضعاف عدد أهلها. وطلبوا مساعدة الحكومة لتنظيم عودة الأعداد الكبيرة من النازحين الى قراهم في سورية. وطلب رؤساء البلديات من سلام ضرورة تحرك الحكومة لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتأخذ على عاتقها تنظيم عودة النازحين الى قراهم، لا سيما ان الغالبية الساحقة منهم من بلدات تلكلخ وزاره والحصن وأخرى من محافظة حمص، وبالتالي لم يعد من مبرر لعدم عودتهم لأن هذه البلدات تشهد هدوءاً بعد تمكن الجيش النظامي في سورية من استعادتها من المعارضة والسيطرة عليها. وأكدوا أيضاً انهم يقدرون ظروف النازحين، وأن البلدات العكارية سارعت الى استضافتهم، لكنها لم تعد قادرة على ضبط تحركهم، وشددوا أيضاً على أن منطقة عكار كانت وما زالت الخزان الأول للمؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية الأخرى. واعتبروا ان حالات الفرار من الجيش ما زالت محدودة جداً وأن هناك من يحاول استغلالها سياسياً، لكن لا مكان للنازحين في بلداتهم، وهذا ما اضطرهم للفرار الى داخل الأراضي السورية لأنهم يعرفون ان عكار حاضنة للدولة ولقواها الأمنية. وفي هذا الشأن، علمت «الحياة» ان عناصر حراس البلدية في عدد من القرى العكارية، وبالتنسيق مع القوى الأمنية، يقومون بعيداً من الإعلام بحملات تفتيش من حين الى آخر لمخيمات النازحين. كما علمت ان العشرات من هذه البلدات التحقوا ب «جبهة النصرة» و «داعش» وأن المفارقة تكمن في ان معظم هؤلاء من الطلبة الجامعيين وأن اعمارهم تراوح بين 18 و22 عاماً، وأن هناك من يتولى تجنيدهم لإرسالهم الى سورية وتحديداً الى منطقة الرقة الخاضعة لسيطرة «داعش»، اضافة الى ان بعضهم كانوا غادروا الى سورية منذ فترة طويلة للالتحاق ب «الجيش السوري الحر». وتبين، وفق المعلومات، ان القوى الأمنية تمكنت أخيراً من القيام بإحصاء لعدد من الشبان الذين غادروا من مناطق عدة في الشمال للالتحاق بالمعارضة السورية، وأن عددهم يقارب 80 شاباً غادر معظمهم بحراً من ميناء طرابلس الى تركيا ومن هناك انتقلوا الى الرقة. وأكدت المصادر الأمنية ان القضاء اللبناني أصدر أخيراً مذكرات بحثٍ وتحرٍ لملاحقتهم فور عودتهم الى لبنان بعدما تم التعرف الى هوياتهم. وقالت انه سبق لعدد من الشبان ان عادوا من سورية الى لبنان وخضعوا للتحقيق من جانب الأجهزة الأمنية وأن التحقيقات اظهرت أن هؤلاء اعترفوا بأن هناك من غرّر بهم وأنهم أخطأوا في التوجه الى سورية وتبين له انهم كانوا ضحية شعارات تستهويهم وأن ما يحصل على الأرض شكل لهم حافزاً للعودة.