داخل حجرة قليلة الإضاءة، وضعت مائدة طعام بيضوية الشكل، تواجه شاشة عرض متصلة ببرنامج «سكايب» حيث تظهر على الشاشة صورة مماثلة لمائدة تتوسط حجرة أخرى في مكان ما. وضعت المائدة داخل الحجرتين في مواجهة الشاشة بحيث تتكاملان في أحد أطرافهما. فحين تجلس إلى المائدة تتشارك الجلوس افتراضياً إلى مائدة واحدة مع أشخاص قد لا تعرفهم، ويبعدون عنك آلاف الأميال. العرض هو أحد الأعمال التي عُرضت في مبنى «الفينواز»، وهو أحد المباني القديمة التي تعود إلى بدايات القرن الماضي في وسط القاهرة. تعرض الأعمال تحت عنوان «إنترلاب» وتعتمد كلها على وسائل الاتصال الرقمي والأداء التفاعلي مع الجمهور. فيمكنك أن تتحكم، على سبيل المثال، بطبيعة الأصوات الموسيقية الصادرة من أحد الأجهزة الصوتية داخل إحدى الحجرات من طريق اعتراض جسدك لخطوط الضوء المنعكسة في الحجرة. كما يمكنك إبدال وجهك بوجه شخص آخر في مكان آخر داخل كشك التصوير الفوتوغرافي، وهو أحد الأعمال التفاعلية المعروضة، أو أن تكون فعلياً وفيزيائياً داخل معرض معين، ولكن افتراضياً، تزور معرضاً آخر في مكان مختلف. فى «إنترلاب» يجرى ربط الموجودين داخل فندق «فينواز» بالموجودين في مقر غاليري «مدرار» للفن المعاصر من خلال ساحة تفاعلية فريدة. وتعاون على تحقيق ذلك متخصصون في الكومبيوتر وفنانون من مؤسسة «أوبن لاب» المصرية، ومؤسسة «كازوش» الألمانية. وعرضت هذه الأعمال كجزء من برنامج الفنون المعاصرة الذي ترعاه مؤسسة «مدرار» للفنون، وهو أحد النشاطات الفنية لمهرجان «دي كاف». ويضم البرنامج مجموعة من العروض الفنية التفاعلية، ويسعى إلى استكشاف أوجه التداخل بين الفنون المعاصرة والرقمية، والفنون البصرية عموماً. وتضمنت الفعاليات عروضاً لمسرح خيال الظل الذي تستخدم فيه فنون الفيديو في شكل جديد، والرسم على الجدران «الغرافيتي» بطريقة تفاعلية رقمية تستخدم فيها حركات جسم الإنسان الطبيعية، وتصبح الجماهير جزءاً من مكونات هذه العروض في شكل إلزامي. فكرة البرنامج، كما يقول ضياء حامد، وهو أحد مؤسسي غاليري «مدرار»، تتلخص في خلق أكثر من واقع، وتزويد المشاهد بكم أكبر من الحواس المختلفة، والاستعاضة عن الحواس التي نستخدمها عادة بأجهزة رقمية. كما أن اقتراب الفنانين المصريين والغربيين بعضهم من بعض وتعاونهم لإنتاج مثل هذه الأعمال يتيحان ابتكار وسائل للاتصال تنقل أعمق المشاعر. ومن بين تلك الأعمال، هناك عمل تفاعلي تحت عنوان «نبلة الرسائل القصيرة» تقدمه مجموعة «في آر أوربان» الألمانية التي تزور مصر للمرة الأولى، وفيه يرسل الجمهور رسائل نصية قصيرة ملونة باستخدام نبلة رقمية معدّة لذلك. والفكرة هنا، كما يقول حامد، هي ايتكار واقع افتراضي يستطيع الناس من خلاله إطلاق رسائل رقمية أو بيانات نصية في الفراغ. نبلة الرسائل القصيرة تجمع بين الحركة البدنية والرسائل الرقمية، ولكن هذه الرسائل مثل الحركة التي تولد منها. هي عابرة أو أقرب الى تعبيرات لحظية سريعاً ما تختفي. وثمة عمل مشترك بين فنان الغرافيتي المصري جنزير والفنانة ياسمين العياط. وعرض العمل على واجهة أحد المحال في شارع محمود بسيوني تحت عنوان «وش الفيترينة». وتنعكس فيه وجوه المارة على واجهة المحل الزجاجية، ولا يتنبّه الداخلون إلى المحل إلى أنهم أصبحوا جزءاً من الواجهة الزجاجية التي تطمس الخط الفاصل بين الخاص والعام.