يرتفع الصخب ترحيباً بأمسية «ذا ريل ديل بلوز باند». الفرقة اللبنانية التي قدمت باقة من أغنياتها، أتت سوزان (26 سنة) خصيصاً للاستماع إليها. وصلت وثلاثة من أصدقائها على عجل، مخترقة الجمهور باتجاه المنصة الرئيسة، حيث تكتظ الحشود، ويتمايل عشاق موسيقى الجاز الذين أحيوا اليوم العالمي للجاز في وسط بيروت. وليست سوزان إلا واحدة من مئات اللبنانيين والأجانب الذين ضاق بهم شارع الأورغواي في وسط بيروت، والشوارع المحيطة بحديقة سمير قصير. كل منهم، قصد الساحة للاستمتاع بأمسية تتخذ الطابع اللبناني الصرف لأول مرة. ست فرق قدمت أعمالاً خاصة وعالمية، لتختلط الموسيقى مع الأحاسيس، وتنسجم ضربات الطبول مع ضربات القلوب، في تناغم إنساني ساحر. وانضمت بيروت ليل الثلثاء للمرة الأولى، إلى يوم الجاز الدولي الذي تحتفل به عواصم العالم سنوياً في الثلاثين من نيسان (أبريل). هذه الأمسية، نظمتها شركة «سوليدير» بالتعاون مع منظمة اليونيسكو، لتُضاف إلى سجل الشركة الحافل بالمحطات الموسيقية السنوية. فتحول وسط بيروت إلى ساحة مفتوحة لطبول الجاز وعزف الساكسوفون. واتسعت دائرة الموسيقى لتشمل مقاهي ومطاعم الشارع بأكمله. وترددت من كل الأرجاء، جاعلة من المكان منصة متنقلة، تحتفي بالإبداع العالمي. كثافة الحشود التي شاركت بالاحتفال، توحي بأن موسم الفرح عاد ليزدهر في بيروت، على رغم كل الأسى والمعاناة القائمة في دول الجوار. المدينة التي خضتها الأحداث الإقليمية، وعاشت في توتر متواصل، أعلنت انفتاحها على ثقافة الحياة، ما يفتح الباب واسعاً أمام موسم صيفي حافل بالفرح. وغصت الساحات باللبنانيين والأجانب من مختلف الأعمار الذين رقصوا، وشاركوا في الغناء على إيقاع الجاز. تناوبت على المسرح ست فرق لبنانية، مخضرمة وشابة، خرجت معظمها عن السياق الموسيقي التقليدي. وإذا كان «الجاز» يوفر مساحة للابتكار والخروج عن النص الموسيقي، والارتجال على المسرح، فان العازفين عززوا هذا المبدأ، وترجموه عملياً بمقطوعات تحاكي الأداء العالمي. واحتلت المنصة، بدءاً من الساعة السابعة مساء حتى منتصف الليل، فرق: رائد الخازن، الترويكا، The Real Deal Blues Band، سداسية أرتور ساتيان، وليد طويل و Little Tomatoes. ولعل الأداء الذي قدمه أرتور ساتيان وفرقته، كان الأغنى بنظر الجمهور، نظراً الى خبرة الفنان اللبناني، وقدرته على الابتكار الموسيقي بما يناسب العرض الحي. في الموسيقى، حوار متواصل بين الغيتار والبيانو، على وقع «الدرامز». تتمايل الأجساد حين تستريح آلة الساكسوفون قليلاً، وتثبت جميعها مشدوهة إلى عزف منفرد أو مزدوج، يقدمها أعضاء فرقة «آرتور». وصلة تلو أخرى، وتتسلل الموسيقى إلى الأحاسيس، تحفزها بفرح قليلاً، واعدة بالمزيد. الوصلات التي قدمتها كل من الفرق الست، تمتاز بإيقاع وسياق مختلف. السلم الموسيقي وحده يجمعها، لكن تقسيم الأدوار، يميز كل منها. وإذا كان آرتور منح الآلات شغف التحفيز، فان المغنين من فرقة the real deal blues band أشعلوا الساحة حماسة بأغنيات حفظها الجمهور عن ظهر قلب... وهي الفرقة المشهورة بالأداء المنوع، ويغني فيها هاني علايلي وإيلي فرح وغريب. وعينت الأونيسكو يوم 30 نيسان موعداً سنوياً يجمع محبي هذا النوع من الموسيقى من كل أنحاء العالم، ويرعاه أحد أشهر عازفي البيانو الجاز المعاصرين هيربي هانكوك، وكانت النسخة الأولى منه العام الماضي في مقر الأممالمتحدة في نيويورك. ويرى مسؤول المشاريع في مكتب الأونيسكو الإقليمي في بيروت جوزيف كردي، أن كل حفلة من حفلات الجاز التي أقيمت في هذا اليوم حول العالم، تمتلك القدرة على «تعزيز الكرامة البشرية واحترام الإنسان وإحلال السلام». عموماً، لن تكون هذه الأمسية الوحيدة في بيروت، إذ اتخذت شركة «سوليدير» قراراً بأن يصبح الحدث سنوياً بدءاً من هذه السنة، «تماشياً مع المبادئ التي رسختها منظمة اليونيسكو في ترسيخ الحوار والانفتاح عبر لغة الموسيقى»، كما أكدت مديرة العلاقات العامة والإعلام في الشركة رندة الارمنازي. وتنظم «سوليدير» منذ عام 2004 مهرجان بيروت للجاز بمشاركة فرق محلية وعالمية بارزة وشخصيات فنية تحمِلُ لقب سفراء اليونسكو للجاز. كما وضعت الشركة بيروت على الخريطة العالمية بتنظيم عيد الموسيقى العالمي الذي نال جائزةَ أفضلَ مهرجانٍ موسيقي في لبنان لعام 2012، ومن بين أهدافه تشجيع المواهب اللبنانية الشابة بإعطائها منبراً لتطوير أعمالها الموسيقية والسير قُدماً في سيرتها الفنية.