لا تحجب مسحة التفاؤل الناجمة عن المشاورات التي يجريها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية تمام سلام، الأنظار عن مجموعة من الأسئلة تفرض نفسها على الواقع الداخلي في ظل التوتر الأمني والعسكري الممتد من العراق إلى سورية الذي يمكن أن يدفع في اتجاه المزيد من التأزم السياسي في لبنان مع استحالة تنظيم الاختلاف لتحييد البلد عن ارتدادات الحراك المستمر في دول الجوار القريب والبعيد. الأمر الذي أدى إلى تشظي «إعلان بعبدا»، إن لم يكن أصبح في خبر كان. ومع أن الأنظار اتجهت أمس إلى لقاء الرئيس سلام مع ممثل «تكتل التغيير والإصلاح» الوزير في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل في أول اتصال ثنائي بينهما بحثاً عن قواسم مشتركة تسرّع في ولادة الحكومة العتيدة، فإن حماية «المشهد السياسي» المحلي عن خط التوتر العالي الممتد ما بين العراق وسورية تبقى مهمة صعبة. وتقول مصادر سياسية مواكبة لمشاورات تأليف الحكومة إن لبنان تلقى في اخيراً مجموعة من الرسائل مصدرها النظام في سورية، وحليفه رئيس الحكومة في العراق نوري المالكي. وتؤكد أن استقبال الرئيس بشار الأسد ممثلي الأحزاب والقوى اللبنانية الحليفة له يحمل هذه المرة مؤشراً سياسياً لا يمكن عزله عن الجهود الرامية لتشكيل الحكومة في لبنان. وتضيف المصادر أن لقاء الأسد ممثلي الأحزاب اللبنانية هو الأول من نوعه منذ اندلاع الأحداث الدموية في سورية وينم عن رغبة النظام في سورية في تمرير رسالة بأنه قرر الانتقال من موقع الدفاع إلى الهجوم وأنه استعاد زمام المبادرة العسكرية وأوشك على استرداد معظم البلدات السورية الواقعة في ما يسمى ريف حمص من المعارضة وبمشاركة واضحة من «حزب الله»، الذي صعّد موقفه أخيراً وأخذ يتصرف على أن مشاركته في القتال إلى جانب قوى النظام واجب وطني. وتسأل المصادر عينها ما إذا كان حلفاء سورية في لبنان سيحجمون عن استغلال انتقال النظام في سورية إلى الهجوم في المشاورات الجارية لتأليف الحكومة، وبالتالي يميلون إلى تحييد الصراع الدائر في سورية عن لعبة شد الحبال التي ترزح تحت وطأتها عملية التأليف تحت عنوان أنهم ليسوا في وارد استيراد المزيد من الاحتقان المذهبي والطائفي، خصوصاً بين السنّة والشيعة. كما تسأل عن صحة ما يتردد من أن حلفاء سورية في لبنان يطلبون «السترة» وأنهم مع قيام حكومة مهما كلف الأمر ولن يفرضوا شروطهم على الرئيس المكلف وإلا لماذا هذا الاستهداف لرئيس الجمهورية ميشال سليمان على خلفية انتقاد الأسد سياسةَ النأي بالنفس التي يتبعها سليمان مع تأكيد معظم الذين شاركوا في لقاء دمشق أن النظام السوري ليس راضياً عن سياسته. فاستهداف رئيس الجمهورية ليس بريئاً، وتقول إنه يعبر عن غضب النظام في سورية من سياسته في ضوء انقطاع التواصل بين قصرَي بعبدا والمهاجرين بسبب كثرة المآخذ السورية على الرئيس اللبناني وعلى رأسها تعاطي الدولة اللبنانية مع الخروق السورية لعدد من القرى الحدودية في الشمال والبقاع وعدم تناغمها مع لائحة «الاتهامات» التي أوردها ممثل النظام في سورية في الأممالمتحدة السفير بشار الجعفري لوجود قواعد للجيش السوري الحر في عدد من المناطق في شمال لبنان، وكذلك صمتها على الحملات التي تستهدف رأس هذا النظام من قبل وزراء «جبهة النضال الوطني» برئاسة وليد جنبلاط. إضافة إلى امتعاض دمشق من توقيف الوزير السابق ميشال سماحة بتهمة نقله المتفجرات من دمشق وبطلب من مسؤول الاستخبارات السورية اللواء علي مملوك لتفجيرها في الشمال. وترى هذه المصادر أن حلفاء سورية في لبنان تمكنوا من استيعاب صدمة استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي شكلت مفاجأة لهم لأنهم لم يتوقعوها. وتقول إنهم لن يسلموا بأي حكومة جديدة يمكن أن تعكس ميزان القوى الجديد الذي فرضه إجماع قوى 14 آذار وجنبلاط على تسمية سلام لرئاسة الحكومة واضطرارهم إلى التسليم بهذا التحول والعودة عن قرار معظمهم، باستثناء رئيس المجلس النيابي نبيه بري، مقاطعة الاستشارات النيابية الملزمة وعدم تسميته. وتلفت المصادر أيضاً إلى أن بعض الأطراف في قوى 8 آذار ومعهم العماد ميشال عون لم يحسموا أمرهم في رغبة سلام بعدم الجمع بين الوزارة والنيابة وعدم توزير الحزبيين من أي طرف كان، وتؤكد أن جنبلاط سعى من خلال الوزيرين غازي العريضي ووائل أبو فاعور إلى إقناع بعضهم، بضرورة تدوير الزوايا لتأمين قيام حكومة لا تتولى تنظيم الاختلاف فحسب، على غرار ما هو قائم الآن بينه وبين «حزب الله»، وإنما تأخذ على عاتقها التخفيف من فاتورة الأضرار السياسية الإقليمية التي تضغط على الداخل اللبناني وتوفير الحد الأدنى من الحلول للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية. لكن هذه المصادر لا تفصل بين هجوم المالكي على معارضيه في العراق وبين تصاعد المواجهة في بلدات ريف حمص بين جيش النظام في سورية وبتدخل مباشر من «حزب الله» وبين معارضيه، وتعتقد أن هذا الهجوم سيكون حاضراً في عملية تأليف الحكومة. كما تتوقف أمام مطالبة بعض الأطراف في 8 آذار الجيش اللبناني بالرد على مصادر النيران في الداخل السوري التي تستهدف بلدات بقاعية لا سيما في منطقة الهرمل وتسأل عن المصلحة في توريطه في هذا النزع طالما أن مقاتلي «حزب الله» يشاركون إلى جانب الجيش النظامي السوري وترى أن انسحابهم من قرى ريف حمص يتيح للجيش اللبناني الرد على مصادر النيران؟ كما أن المصادر ترى أن التوافق على الإطار العام للحكومة لا يعني أن الطريق معبدة أمام ولادتها بعد رفض معظم الأطراف في 8 آذار اقتراح جنبلاط أن تضم الحكومة 24 وزيراً وأن تتمثل القوى ب8 وزراء أي أن يتساوى الفريقان المتنازعان في التمثيل في مقابل احتفاظ الكتلة الوسطية ب8 وزراء... وعلى رغم أن قوى 8 آذار لم تطرح علناً إصرارها على أن تتمثل بالحكومة بالثلث الضامن، فإن الرئيس بري تحدث أخيراً عن ضرورة ترجمة التوازن القائم في البرلمان في عملية التأليف فيما لا يزال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) محمد رعد يصر على أن تتمثل الأكثرية السابقة ب45 في المئة من عدد الوزراء وهذا يعني حكماً أن الحزب يشترط حصوله على الثلث الضامن. إلا أن الرئيس بري لا يتصدر الدعوات الرامية إلى تمثيل 8 آذار ومعها العماد عون بالثلث الضامن، وهو يحاول الوقوف في منتصف الطريق ليكون في وسعه التدخل بغية تدوير الزوايا، هذا إذا كانت الظروف الخارجية المتداخلة مع الوضع الداخلي تسمح بتأليفها، إضافة إلى أنه يبدي حرصه الشديد على الحفاظ على المناخ الإيجابي مع المملكة العربية السعودية من خلال المواقف التي صدرت عن سفيرها في لبنان علي بن عواض عسيري وفيها دعوة إلى الحوار والتلاقي والتهدئة. وتبدي المصادر تخوفها الشديد من إسقاط لبنان في الفراغ بدأت معالمها تظهر في «نعي» لجنة التواصل النيابية بعد أن تعذر عليها التوافق على قانون انتخاب مختلط يجمع بين النظامين النسبي والأكثري مع أن الرئيس بري لم يخف انزعاجه من تعليق اجتماعاتها. فدخول اللجنة في إجازة مديدة مقدمة لفراغ في السلطة التشريعية يستدعي البحث منذ الآن في التمديد للبرلمان، لكن المصادر تخشى من أن ينعكس هذا الفراغ على رئاسة الجمهورية إذا تعذر انتخاب الرئيس العتيد فور انتهاء ولاية الرئيس الحالي في 25 أيار (مايو) 2014. ويبقى السؤال عن مصير المشاورات لتشكيل الحكومة عالقاً ما لم تبصر النور، حتى لو اقتصر دورها على إدارة الأزمة وإلا فإن تعذر تشكيلها ورفض حكومة «الأمر الواقع» سيؤديان إلى تمديد عمر الحكومة المستقيلة لتتولى تصريف الأعمال. فهل هناك من مصلحة في شل مؤسسات البلد الواحدة تلو الأخرى، أم إن الضرورات تبيح المحظورات بالضغط لتفادي فراغ يبقى مفتوحاً على كل الاحتمالات، وبالتالي انتظار ما ستحمله الأيام الطالعة من مفاجآت تغلب التفاؤل على التشاؤم بما يسمح لحكومة سلام أن ترى النور، فيما أخذت مصادر في 8 آذار تتحدث عن أن الحل يكون في التفاهم بين الأخير وعون على اسم «الوزير الملك» على أن يكون مسيحياً هذه المرة. إلا أن مصادر أخرى تستبعد استعداد سلام للخوض في مثل هذه التجربة التي سبق للرئيس سعد الحريري أن جربها عندما وافق على تسمية الرئيس الحالي للجامعة اللبنانية عدنان السيد حسين «وزيراً ملكاً» من حصة رئيس الجمهورية لينهي متضامناً مع وزراء المعارضة في حينها في إسقاط الحكومة باستقالة أكثر من ثلث أعضائها.