أي شبه بين اقتحام الجيش العراقي ساحة الاعتصام «السنّي» في قضاء الحويجة (كركوك) ضد سياسات حكومة نوري المالكي، واقتحام قوات النظام السوري ومقاتلين من «حزب الله»، جبهة القصير القريبة من الحدود اللبنانية؟ رغم كل التداعيات المتوقعة لقتل متظاهرين، والخلافات المستعصية بين المالكي وأبرز القوى السياسية في العراق، بما فيها أحزاب الأكراد، بادر رئيس الحكومة إلى المجازفة بعد تهديدات أطلقها ووعيد للمحتجّين. ورغم الجروح التي أثخنت جسد النظام السوري وقوته، بادر الى المخاطرة، بمزيد من القوة المفرطة وفي معركة مفتوحة يشارك فيها حلفاؤه، لتفادي قطع طرق الإمداد، وسيطرة «الجيش الحر» على المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية، في محافظة حمص. في كلا الحالين، حيث حليفان لطهران، في مأزق عراقي، أو على طريق الهاوية في سورية، يرتسم فصل جديد في المشهد الإقليمي، قد يكون أقرب إلى الصواب وصفه بهجوم إيراني مضاد، فيما قيادة خامنئي تواصل استدراج العروض مع الغرب. لا تريد عصا وجزرة في «الحرب الناعمة» بل جزرة فقط لأن هناك «فرصة مفاوضات لتعاون استراتيجي طويل الأمد مع إيران، الشريك الأكثر وثوقاً وقوة واستقراراً في المنطقة». والهجوم المضاد في العراق لئلا يواجه المالكي مصير النظام السوري، فيما إيران مهددة بخسارة كل أوراقها الإقليمية التي يمكن ان تساوم بها في مفاوضاتها مع الغرب حول الملف النووي. بمعادلة مقتضبة: سورية أو دويلة سورية حليفة على الأقل، تتيح لطهران موطئ قدم على البحر المتوسط+ لبنان+ عراق تابع أو على الأقل دويلة شيعية عراقية نفطية= القنبلة النووية أو برنامجها. الأكيد أن السباق المحموم الى الهجوم المضاد الإيراني في سورية والعراق لم يأتِ الآن لولا إدراك طهران أن مجموعة الدول الست لن تمهلها طويلاً بعد انتخابات الرئاسة الإيرانية في حزيران (يونيو)، لتحزم أمرها في شأن «صفقة» الملف النووي. وتدرك كذلك أن تآكل ما يسمى «الهلال الشيعي» حيث تهترئ قبضة الحلفاء، سيقودها عارية الى طاولة المفاوضات مع الغرب، وهناك يعادل الدعم الروسي صفراً، فموقف موسكو معروف من البرنامج النووي. راهنت إيران طويلاً على سياسة النَّفَس الطويل و «الصمود» في مواجهة الضغوط الغربية، لكن رهانها على «صمود» الحليف السوري بدعمها إياه مالياً وعسكرياً، بدأ يترنّح قبل أشهر، حتى اقتربت معركة دمشق، وبدا أن المعارضة تسرّع خطاها نحو الفصل الأخير. والحال أن الغطاء الروسي للنظام السوري والذي يواكب الدعم الإيراني، يحصّن مشروع «الهلال الشيعي»، إذا شجّعت طهران النظام على الدفاع عن دويلة علوية، بوصفها كيّاً لكل الخيارات الأخرى، وأوهام سحق المعارضين، إن لم يفاوض المدنيون منهم، بشروط دمشق. لم يكن بلا معنى أيضاً أن يخيّر وزير الخارجية الأميركي جون كيري المعارضين السوريين بين المفاوضات وتفكيك بلادهم. يتشاءم بآفاق «الحل البعيد»، لكنه يرمي كرة النار إلى النظام الذي «لا يريد التحرك» نحو التفاوض، وإلى حضن المعارضة و «خلافاتها». وفي حين تراوح واشنطن مكانها لأن «الخط الأحمر» (السلاح الكيماوي) لم يُمس بعد، تبقى الساحة مفتوحة لإيران في سباقها مع الوقت، لعل النظام ينقذ نفسه- وهذا بات عسيراً- أو ينقذ ما كان أغلى «ورقة» إقليمية في يد طهران. هي أدركت ان العالم كله، رغم السبعين ألف قتيل والدمار الهائل وموجات النزوح الى الجوار وغيره (يتردد أن عدد السوريين في مصر ناهز مليونين)، لن يمضي إلى ما يتجاوز بيانات الرثاء والتنديد، فاختارت لحظة «مواتية» للهجوم المضاد... على جبهتي سورية والعراق. وأما القصف الروسي على دور الجامعة العربية في تمديد الكارثة السورية، وقذف الجامعة مجلس الأمن بلعنة الصمت والعجز، فلا يمنعان مجزرة أو يزحزحان النظام عن معركة «الصمود» التي نقلتها طهران إلى فصل جديد، في حرب مواقع النفوذ. وبين مجازر سورية ومجزرة الفجر في كركوك، تصر إيران على أنها ستنتزع الجزرة من الغرب بلا عصا: إنقاذ الحلفاء بأي ثمن، على حساب دماء السوريين والعراقيين و... «الهلال» يترنح، وستكون لهجمة المالكي عواقب تهدد بقطع ما بقي من خيوط وحدة العراق. أميركا تراقب، وتراهن على تيئيس الجميع، وإغراق إيران في مستنقعات الحروب الطائفية- المذهبية. إذ ذاك، لا يهم إن كانت أطراف الصراع ميليشيات تحمي جيشاً في مواجهة فصائل و «كتائب»، أو عشائر تقاتل جيشاً للانتقام من القائد العام المتهم باجتثاث طائفة. أخطر ما يهدد بحرائق لخرائط المنطقة، هو بوادر انهيار الرعاية الدولية لحدود الكيانات، وطعن الخصوم بمفردات الإرهاب... وسلاحه.