بعد الساحة السورية التي باتت حلبة لصراع بالوكالة بين المحور الغربي – الأميركي والمحور الروسي – الصيني – الإيراني، أو لنزاع سنيّ- شيعي قطباه إيران وتركيا إقليمياً، يبدو العراق مرشحاً لحرب تركية- إيرانية بالوكالة... لا سيما إذا استمر العنف والقتل في سورية. هناك، على الحدود مع تركيا، قبعة «الأطلسي» جاهزة، ولكن بتحفّظ، لأن الحلف لن يقود حملة عسكرية للتدخل، لمصلحة «الجيش السوري الحر»، كما ثبت حتى الآن على الأقل. تدرك حكومة أردوغان في المقابل، أن الصراع على النفوذ الإقليمي مع طهران ليس في مصلحتها، مرحلياً، خصوصاً لأن الغرب الساعي إلى صفقة مع إيران تطوي ملفها النووي، عاجز– ولو رغِب- عن قطع شرايين الدعم من طهران إلى دمشق. كانت اسطنبول حاضنة لمحادثات الإيرانيين مع الدول الست، راغبة في تفادي حرب إسرائيلية – أميركية على المنشآت النووية الإيرانية، لأن التداعيات أكبر من قدرة أي دولة في المنطقة على احتوائها. انقلبت الحال، باتت بغداد حاضنة للمفاوضات «النووية»، وحين تتحدث طهران عن بداية النهاية للملف الذي استعصى سنوات طويلة، تقترب كثيراً محطة «الصفقة» التي لطالما ارتبطت بتساؤلات ورَيْبة حول الأثمان ومَنْ سيدفعها. وإن كان من مؤشرات تُرصَد، قبل جولة بغداد «النووية» أواخر أيار (مايو) المقبل، لا بد أن يكون بينها: - الاشتباك السياسي بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، وتبادل بغداد وأنقرة الاحتجاج إثر اتهام أردوغان المالكي بنهج طائفي، وحديث الأخير عن تركيا «عدائية». - كلما التصق المالكي باليد الإيرانية، ازداد ميل رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الى اعتبار تركيا رئة للإقليم، وسعى إلى طمأنتها فيما يكرر تلويحه بانفصال الأكراد العراقيين في دولة، بعدما اقتنع باستحالة التعايش مع ما يراه مكراً لدى المالكي. - استقواء إيران بمرحلة «الصفقة»، ترجمته تصعيداً في قضية احتلالها الجزر الإماراتية، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، بعد زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد جزيرة أبو موسى، والإعلان عن نشر قوات بحرية إيرانية في الجزر وتناول موقف مجلس التعاون الخليجي بلغة تحدٍ. - استقبال طهران المالكي قبل أيام، بدعوة إلى اتحاد كامل بين العراق وإيران، من شأنها أن تحيي مجدداً طروحات «الهلال الشيعي» الذي يشمل البلدين الى جانب سورية ولبنان، مع ما للأزمة في سورية من إيحاءات تستنفر غرائز، على وقع القتل الذي يميز بين ضحية وأخرى... وتداعيات على لبنان والعراق. على هامش الصراع على سورية، انقلبت مخاوف أكراد العراق من مرحلة خصومة وتوجس من أنقرة ومعها، إلى مرحلة شكوك في مآل احتضان إيران لحكم المالكي الذي يعتبرونه نسخة أخرى لديكتاتورية «البعث» العراقي، ولكن في إطار تبعية عقائدية لولاية الفقيه. وإذا كان استقبال أردوغان لنائب رئيس الجمهورية العراقي طارق الهاشمي المطلوب لدى الأجهزة الأمنية في بغداد، أوحى بدعم أنقرة «السنّية» خصوم المالكي من السنّة، فحديث بارزاني أمس (وكالة اسوشيتدبرس) بدا مهلة أخيرة للحكومة المركزية في بغداد تمتد حتى أيلول (سبتمبر) موعد الانتخابات في إقليم كردستان، كي تُقدِم على الحلول المستعصية للخلافات مع شركاء «ائتلاف دولة القانون». والمهلة – الإنذار إذ تقرّب خيار الدولة الكردية المتحالفة (!) مع أنقرة، استناداً إلى «حق تقرير المصير» (على طريقة جنوب السودان)، تستنفر نوازع المالكي الى الاحتماء بطهران، أكثر مما تُقنعه بجدوى التنازل لحماية وحدة العراق. فبين رئيس الوزراء «المركزي» ورئيس الإقليم المتصالح مع أنقرة، ما صنعه الحداد في عقود النفط، وخوف بارزاني من لحظة تتحول فيها المعادلات الإقليمية لمصلحة طهران. إذ ذاك يصبح حلفاؤها و «وكلاؤها» في موقع المتحالف مع الغرب الذي إذا ضحّى، يضحي بلا حساب... بالحلفاء القدامى. سورية ساحة للصراع الدولي الذي يستنزفها، وإذا كان في واحد من وجوهه يضغط على شرايين التحالف القديم بين دمشقوطهران، فلعل في ذلك ما شجع خامنئي على قبول صفقة مع الدول الكبرى، تحفظ ماء الوجه للنظام الإيراني، بتنازل «نووي» وآخر سوري، إنما مع مكاسب إقليمية. هنا تحديداً تتعاظم مخاوف الأتراك، وأكراد العراق، ولا يبقى خيار لأنقرة سوى مواجهة النفوذ الإيراني بالوكالة، على ساحة بين دجلة والفرات. والأكيد ان تمني خامنئي للمالكي «عراقاً أكثر إشراقاً ولمعاناً»، لن يكفي لتحصين بغداد من «تمرد» بارزاني على «سلطة الديكتاتورية»، ولا لشد أزر رئيس الوزراء من أجل خوض حرب شاملة على «المحور السنّي التركي».