لم تدرك حنان أن صبرها على العيش مع رجل بخيل ويعاني اضطرابات نفسية، جعلها تخسر الكثير من حياتها وصحتها ومستقبلها. فالمنعطفات التي مرت بها مع زوجها لم توطد العلاقة بينهما، بل زادت الزوج تجبراً وتسلطاً وخدشاً لمشاعرها وكرامتها وتعنيفها نفسياً وبدنياً... حتى قرّرت الانفصال، طالبة الطلاق بعد نحو عشر سنوات من زواج أثمر ثلاثة أطفال. وهكذا عادت حنان إلى عائلتها الأم، ووجدت كل الرعاية من أسرتي لي ولأطفالي. ولكنني أشعر دائماً بالخسارة تجاه أمور كثيرة مرت بي مع زوج حرمني إكمال التعليم والعمل، وكان يمعن في إرهاقي، فيما الشك والريبة يسيطران على تفكيره تجاهي وتجاه كل من حوله»، وفق تعبيرها. وعلى رغم أنها كانت خائفة من تهديداته لها بأنه سيحتفظ بأطفالها ويمنعهم عنها حتى لا تطلب لهم نفقة، فإنها تقول: «بعد مرور فترة قصيرة، اكتشفت أنه مجرد تهديد لا يقوى على تنفيذه. فهو يحب راحته كثيراً ولا يمكنه تحمل أي أمر يخص أطفاله، حتى مادياً. فالمال بالنسبة إليه هو الأهم... إلى درجة أنه يحرم أطفاله من حق الاستمتاع به. وهو لا ينفك يلوح بحق التحكم بسفرهم معي، خشية أن أطالبه بمصاريف السفر. ولكنه بدأ يتنازل عن الأمر عندما عرف أنه ليس مطالباً به». وتسخر حنان في داخلها من هذه «الأبوة»، واصفة إياها ب «الأبوة الحقيرة» إذا كانت في هذا الشكل، على رغم أنها تشعر بالفخر والاعتزاز بقدرتها على تربية أطفالها الذين وصلوا إلى أعلى درجات التفوق والتميز العلمي والأخلاقي من دون أدنى مشاركة منه. ولكنها لا تخفي أنها دفعت ضريبة كبيرة، إذ اضطرت إلى العمل في وظيفتين بغية تحمّل الأعباء المادية لذلك، وحتى لا تحرم أطفالها مما يحتاجونه، فيما يعيش طليقها من دون قيود مادية ويمارس حياته الاجتماعية بعدما تزوج امرأة أخرى. حكاية حنان لا تختلف كثيراً عن حكايا المطلقات في السعودية، وإن اختلفت ظروف بعضهن بعد الطلاق. فمنهن من يعانين وضعاً مختلفاً داخل أسرهن، وأخريات اضطررن إلى السكن في أماكن لا تليق لكونها رخيصة. وأصبح نادراً أن تجد قصة طلاق تنتهي باتفاق الطرفين على أمور ما بعد الطلاق ليبقى في داخل كل منهما نوع من الاحترام لشريك سابق أمضى معه فترة من العمر. وغالباً ما تكون المرأة هي الطرف الذي يدفع الثمن غالياً، في مقابل الخلاص من آفة الحياة مع شخص أصبح العيش معه مستحيلاً لها أو لأطفالها. الأطفال والنفقة وتشير المتخصصة الاجتماعية نورة السويلم إلى أن الطلاق يجب أن يكون مشروعاً بالاتفاق، إذا كان الطرفان حريصين على ثمرة زواجهما (الأطفال). فحين تحتفظ الأم المطلقة بأطفالها لأنها الأقدر، يجب ألا تُبتَز أمومتها بأي شكل من الأشكال لجعلها تتنازل عن حقوقها في الطلاق ونفقة الأطفال والسكن. وفي هذه الحال، يجب أن يحميها القانون بألا يتغير وضع الأطفال إن كانت هي الحاضنة. كما يجب أن تكون الأمور المالية والنفقة من الزوج واجبة وبرعاية الجهات الرسمية والحكومية، ولا تخضع لضمير أو أخلاقيات الزوج الذي ربما كان فقدانه أخلاقه وضميره أهم أسباب الطلاق! وعلى رغم حصول المطلقة في السعودية على راتب شهري (230 دولاراً) من الضمان الاجتماعي يساعدها على تكاليف الحياة، فإنه لا يكفي حتى معيشة الغذاء الشهرية في ظل التضخم الاقتصادي وارتفاع الأسعار في البلاد. وعليها أن تجد مصدراً لدفع إيجار المنزل وتكاليف الملبس والتنقل، خصوصاً أن النقل العام غير متوافر للنساء في المملكة. وتعاني المطلقات مشكلات أخرى كثيرة في الأوراق الرسمية. فبعضهن لا يستطعن الحصول حتى على هذه الإعانة الشهرية إلا بوثيقة الطلاق التي يجب تسجيلها في المحكمة. وقد يقدم الزوج على طرد زوجته أو تطليقها شفوياً، لتبقى سنوات طويلة وهي تلاحقه للحصول على تلك الوثيقة. كما أن المطلقة لا تحظى ببطاقة أسرة تضم أسماء أولادها، وبالتالي لا تستطيع استخدامها عند الضرورة، على رغم المطالب المتكررة بها من الناشطات في هذا المجال. وتواجه المطلقات السعوديات عنفاً مجتمعياً يبرز حين يشترط صندوق التنمية العقاري على المطلقة مرور سنتين على الطلاق ليحق لها التقدم إلى قرض حكومي تستطيع من خلاله الحصول على منزل، سواء بالشراء أم بالبناء. وعلى رغم أن الأمر يحتاج إلى سنوات من الانتظار، فإنه يصدم المطلقة بهذا الشرط في وقت يجب ان تراعَى ظروفها، وأن تكون لها الأولوية في الحصول عليه. وتتحدث الدكتورة آمال الفريح عن نتائج رسالتها لنيل الدكتوراه، والتي كانت عن تكيف المرأة السعودية المطلقة، فتشير إلى أن 52,4 في المئة من المطلقات يعانين من سوء التكيف الاقتصادي، وأن 70,6 في المئة لم يحصلن على النفقة، منهن من لم يطالبن المُطلِّق بالنفقة أو طالبن بها ولم يدفعها المُطلِّق. «فثمة مطلقات كثيرات لا يطالبن بالنفقة حرصاً على الاحتفاظ بالأبناء والخوف من مطالبة المُطلِّق بالأبناء، إن هي طالبت بالنفقة. وهنا يأتي دور صناع القرار في حماية المرأة في هذا المجال بالذات». وتشرح الفريح أن بعض المُطلَّقات قد يصلن إلى مستوى من تدني الحال الاقتصادية لا يمكنهن فيها أن يعلن انفسهن وأطفالهن، فيصبحن في حاجة إلى المساعدات المادية من طريق الأهل أو الجهات الخيرية، وقد يبحثن عن عمل بأجر زهيد، ما يزيد من شعورهن بالألم والقلق وعدم الأمان. وتضيف: «بعيداً من هذه المعاناة، ثمة عدم وعي من المطلقات بحقوقهن لأسباب كثيرة، وعدم بحثهن عن المعلومات التي تخص حقوقهن. فهناك حقوق للمطلقة لا تعرف كثيرات عنها شيئاً، إذ يحق للمطلقة مراجعة الأحوال المدنية لإسقاط بياناتها في سجل أسرة طليقها، وذلك من خلال أصل وثيقة الطلاق المصدق من المحكمة الشرعية. كما يحق للمطلقة أن تحصل من الأحوال المدنية على شريحة (برنت) من الحاسب الآلي تضم اسمها وسجلها المدني إلى جانب أسماء أبنائها وأرقام سجلاتهم، وتحمل ختم الأحوال المدنية في مقابل رسوم رمزية. ويمكن الأم الاستعانة بها لإتمام كل ما يتعلق بشؤون أبنائها، كتسجيلهم في المدارس ومراجعة المستشفيات». وتنوي «الأحوال المدنية» إصدار سجل أسرة للمطلقات يضم أولادهن، مع بقائهم في سجل والدهم. صندوق للحد من آثار الطلاق إلى ذلك، تبنت وزارة العدل السعودية إنشاء «صندوق النفقة» بناء على أحدى توصيات دراسة «مشروع الإجراءات المنظمة للطلاق وما يترتب عليه للزوجة والأبناء»، والتي أعدت بمبادرة من جمعية مودّة للحد من الطلاق وآثاره، وبمشاركة جهات خيرية. وينص نظام الصندوق على تخصيص نفقة للمطلقة وأبنائها إذا حكم القاضي لهم باستحقاقهم. فإذا لم يلتزم الزوج بالدفع الدوري، يجري السداد من حساب صندوق النفقة من خلال أحد المصارف ويُستقطع من راتبه الشهري في شكل أوتوماتيكي ليودع في حساب الصندوق. وفي حال عدم وجود مرتب شهري للزوج، أو عدم وفاء مرتبه بما أقر من نفقه، يقدم الزوج على تحويل مبلغ النفقة لحساب الصندوق. وفي حال عدم قيامه بذلك، يصدر أمر قاضي التنفيذ بتحويل المبلغ من أحد حسابات الزوج التي يتوافر فيها (المبلغ). وثمة عقوبات جزائية في حال تخلف المطلق عن دفع النفقة: يؤمر (المطلق) بالإفصاح عن الأصول، ويمنع من السفر، ويتعرض للحبس، وتعلق تعاملاته المصرفية، وتوقف خدمات تجديد رخصة القيادة وتجديد جواز السفر. وحتى يحين تفعيل هذه القرارات وتطبيقها، لا تزال المرأة المطلقة تعاني طعم المرارة والخذلان مما تواجهه من قيود وعقبات في مجتمع يفترض أن يسوده التسامح والتكافل قبل القوانين وأنظمة المحاكم.