ما قاله أحد مسؤولي «حزب الله» اللبناني عن مشاركته في القتال داخل سورية الى جانب النظام لا يكشف فقط طبيعة العلاقة التي يريدها هذا الحزب لجمهوره، الشيعي في غالبيته الساحقة، بالدولة اللبنانية، وإنما يكشف ايضاً طبيعة العلاقة التي يريدها النظام السوري لجمهوره مع الدولة السورية. لقد أصبح الانتماء المذهبي - السياسي هو الوطن، بعدما كان يمثل «أشرف الناس». ومن هو خارج هذا الانتماء يُقبل انتسابه الى هذا الوطن شرط التخلي عن مواطنيته القانونية والدستورية. هكذا يطالب الحزب جميع اللبنانيين الذين يريدون ان يحظوا باعترافه بهم ان يتحولوا عن الوطن الى تأييد قتاله الى جانب أبناء مذهبه خارج حدود لبنان المعترف بها دولياً. والمسألة لا تتعلق هنا بمجرد تحرك عدد قليل من الاشخاص في ظل مهمة ما يريد الحزب تنفيذها في الخارج، أو بمجرد عملية يمكن للقيادة التنصل منها وتنسبها الى عناصر غير منضبطة او مخترقة، وانما تتعلق بقوات عسكرية تابعة مباشرة للحزب وتأتمر بأمر قيادته المركزية، في إطار غرفة عمليات مشتركة. سواء كان الذين يقول الحزب انه يقاتل من أجل حمايتهم في سورية لبنانيين أم من جنسية وطنية اخرى، سواء كانوا شيعة أو ينتمون الى مذهب آخر، سواء تعرضوا لاعتداء ومحاولة تهجير أو هم من اعتدوا على آخرين، فكل ذلك لا يلغي حقيقة اساسية في سلوك الحزب وهي انه يؤكد مسؤوليته، كحزب، عن حماية اشخاص بعينهم حماية قانونية وأمنية. فيسلخهم عن وطنهم الذي هو من ينبغي ان يتولى هذه المسؤولية والحماية. وكما هو معروف فإن الذين يقول الحزب انه يحيمهم من الشيعة، فإن الحزب يعمل بشكل واع من أجل سلخ الشيعة اللبنانيين عن الوطن الللبناني وإلحاقهم ب «الوطنية» المذهبية، لتتخذ مواقف الحزب من كل احداث المنطقة معاني جديدة كليا، خصوصاً عنما يشير الى وضع الشيعة في الخليج عموماً. فهو يسلخهم عن بيئتهم الخليجية ويضعهم في «الوطن» المذهبي. لتتأسس «وطنية» جديدة على مستوى المنطقة، انطلاقاً من اقتتال سيورث بالتأكيد مضاعفات خطيرة على التعايش بين مكونات الوطن الدستوري والقانوني. ولا يخفى على أحد، خصوصاً «حزب الله» ومرجعيته ايران، على ان الشيعة أقلية عددية في المنطقة العربية، لا يمكن ان يتاح لها مهما بلغت درجت التعبئة والتسليح من إخضاع الآخرين. خصوصاً بعد انكشاف تجربة حكم النظام السوري خلال العقود الاربعة الماضية. هكذا تتحول سياسة «حزب الله» في سورية الى نقطة تحول في الانشقاق المذهبي والى تهديد للشيعة العرب على المدى الطويل بالدرجة الاولى. في موازاة ذلك، تنكشف كل المناورات السياسية التي يستخدمها الحزب في لبنان. ولتسقط بذلك معاني المعادلة الشهيرة التي على أساسها لا يزال الحزب راضياً بنوعية المعادلة السياسية في لبنان، وهي معادلة «الجيش والشعب والمقاومة». فالحزب الذي لا يعترف بالوطن اللبناني ولا بدولته ولا بدور جيشه، يحوّل الوطن اللبناني مجرد «قاعدة» عسكرية له مستقلة عن الدولة وأجهزتها، بما فيها الجيش، والمنوط بها وحدها حماية اللبنانيين. ولتتغير وظيفة المقاومة في المعادلة من مواجهة اسرائيل الى الإنخراط في قتال في الداخل العربي على أساس مذهبي. وليس القلق العربي الكبير من التعامل الايراني مع العرب والتحركات في داخل بعض البلدان العربية والتي تتهم طهران بتحريكها، وما يشهده العراق من تصعيد من الحكم ازاء مطالب السُنّة سوى ترجمة للوظيفة الجديدة للمقاومة.