إنه حلم لا يبارح المخيّلات: صنع كومبيوتر يعمل بسرعة الضوء، ويحلّ أشد المعادلات تعقيداً بسرعة البرق. يستكمل الحلم بالقول إن هذا الكومبيوتر- الحلم يجب أن يستخدم قواعد فيزياء غير تقليدية، كتلك التي تقترحها الفيزياء الكموميّة Quantum Physics وعلوم الرياضيات المتّصلة بها. على رغم استعمال بعض معطيات فيزياء الكموميّة في الكومبيوتر والإنترنت، إلا أن حلم الكومبيوتر الكموميّ ما زال سراباً. يستند الكومبيوتر إلى ما يُسمى «اللغة الثنائية» المُكوّنة من الصفر والواحد، بمعنى تحويل الأرقام والبيانات والرسوم والأصوات والصور وغيرها، إلى صفوف طويلة من تتابعات الصفر والواحد. وتحوّل الإلكترونيات الصفر إلى حال عدم مرور التيار الكهربائي، فيما يعبّر رقم 1 عن مروره. في المقابل، يفترض أن يتحكم الكومبيوتر الكموميّ بوحدات «بت كموميّة» quantum bits، تُعرَف باسم «كيوبت» Qbit، بديلاً عن رقمي 0 أو 1 في الكومبيوتر التقليدي. وبكلامٍ أبسط، يستطيع الكومبيوتر الكمومي الإقدام على معالجة سريعة للأرقام دفعةً واحدة، بدلاً من معالجة كلّ رقمٍ على حدة كما يفعل الكومبيوتر تقليديّاً. وفي المختبرات، استعمل علماء الضوء بديلاً للإلكترونيات. ويتكوّن الضوء من «مسبحة» متموّجة، كل حبة منها تحمل طاقة مقدارها «فوتون». ويؤدي هذا إلى القدرة على التعامل مع مجموعات كبيرة من الأرقام في الوقت نفسه. واستطاع بعض العلماء العمل على كومبيوتر كموميّ يستخدم 25 فوتوناً تمر في 400 قناة ضوئية، ما جعلهم يتفاءلون بقرب توصّلهم لصنع كومبيوتر كموميّ خلال العقد المقبل. بجلاء، أبدى جون بريسكل، وهو واضع نظريات في «معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا» في «باسادينا»، تحفّظه عن هذا الاستنتاج، إذ يعتقد أن الدوائر البصرية التي تصنع من الفوتونات (لتكون بديل الدوائر الإلكترونية) لن تستطيع أن تكون كبيرة الحجم بما يكفي لصنع كومبيوتر، لأنها تولّد كثيراً من الاضطراب في الضوء والطاقة، في داخلها. لنتخيّل خيطاً طويلاً من حبات المسبحة، ربما الملايين منها. من السهل أن تتموّج قرب بعضها، إذا بقي عددها قليلاً. في حال تقارب مجموعة كبيرة من الخيوط المسبحية، فإن تداخلها وتلاطمها يضحي شبه محتّم. ومع تذكّر أن كل حبّة مسبحة هي وحدة من الطاقة، يطاول الاضطراب الضوء والطاقة ومساراتها في الوقت نفسه. ويزيد الأمر إرباكاً، ضرورة أن تستمر مجموعات كبيرة من الخطوط الضوئية المسبحية في التموّج قرب بعضها، وأن تحتفظ بالهيئة نفسها أيضاً! ولم تمنع هذه الصعوبات آندرو وايت، عالم الفيزياء في جامعة «كوينزلاند» في مدينة بريسبِن الأسترالية، من وضع تقرير بالتعاون مع إيان وولمسلي، وهو عالم فيزياء في جامعة «أوكسفورد» في المملكة المتحدة، عن طريقة لصنع دوائر ضوئية تصلح لحسابات الكومبيوتر، ولكن ضمن أعداد قليلة من خيوط الفوتونات. وكذلك توصّل عالم الفيزياء فيليب والثر من جامعة «فيينا» إلى نتيجة مماثلة في دراسةٍ نُشرت على الإنترنت في ال «أرشيف كاي» المخصص لمسودات البحوث العلمية. وكرّر الأمر عينه روبيرتو أوسيلامي وزملاؤه من «مجلس البحوث الوطني الإيطالي» وفي جامعة العلوم التطبيقية في ميلانو. إذاً، هل بات الكومبيوتر الكموميّ على الأبواب؟ لننتظر.