تضمّ المعلوماتية والاتصالات الذكية مجموعة من المشاريع العلمية البارزة التي قد يتحقّق فيها اختراق علمي في عام 2010. ولعل أبرزها هو تحقيق أمل يراود أدمغة بحّاثة المعلوماتية والحواسيب منذ خمسينات القرن الماضي: صنع كومبيوتر كموميQuantum Computer. ويدعم احتمال تحقّق هذا الهدف المراوغ في زمن قريب، إنجاز علمي مهم، صنعته أيدي علماء الالكترونيات هذه السنة التي تشارف على انتهائها. ففي الصيف الفائت، توصّل فريق من الباحثين في جامعة «يال» الأميركية، إلى اختراع أوّل معالج دقيق إلكتروني للمعلومات «مايكروبروسيسر» Microprocessor يعمل بناء لمبادئ الفيزياء الكمومية Quantum Physics، ما يعتبر خطوة متقدمة نحو بناء الكومبيوتر الكمومي. والمعلوم ان المُعالج الدقيق للمعلومات يعتبر «الدماغ المُفكر» للكومبيوتر. وفي الكومبيوتر الكمومي، تصل سرعة دوران المعلومات في ذلك «الدماغ» الى سرعة تداني سرعة الضوء، بل ربما... أكثر! ويعني ذلك ارتفاعاً هائلاً في معدل «ذكاء» المُعالج الدقيق، وتالياً للكومبيوتر. لحظة مفردة بعمليات متعدّدة لصنع المُعالج الكمومي، استخدم العلماء رقاقة فائقة التوصيل مؤلّفة من مصدرين يبث كل منها نبضة كمومية. وصمموها كي تتعامل مع العمليات الحسابية الأساسية، مثل خوارزميات الأعداد والبحث البسيط. وإذ نجحوا في ذلك، بات عام 2009 أولاً في صنع معالج دقيق للمعلومات مصنوع من المواد عينها التي تصنع منها المُعالجات الالكترونية الدقيقة راهناً. ووضع ذلك الإنجاز في تقرير مُفصّل على الموقع الشبكي لمجلة «نايتشر» العلمية. في شرح تبسيطي عن هذا الإنجاز، قال روبرت شولكوبف، أستاذ الفيزياء التطبيقية والفيزياء في جامعة «يال» الذي شارك في هذا الإنجاز: «يمكن المعالج أن يؤدّي القليل من المهمّات الكموميّة البسيطة جدّاً. لقد حدث الأمر قبلاً، لكن في طريقة مُعقّدة تقنياً... لكنها المرّة الأولى التي يمكن فيها إجراء هذه المهمّات في أداة إلكترونيّة تشبه مُعالج المعلومات الدقيق الموجود في الكومبيوتر العادي». وترأس ستيفن غيرفن، أستاذ الفيزياء والفيزياء التطبيقية في كلية «يوجين هيغينز»، مجموعة من علماء الفيزياء النظريّة الذين تعاونوا لتحقيق هذا الإنجاز. وتوصّل إلى صنع جسمين اصطناعيّين كموميين، يتألف كل مهما من بليون ذرّة ألومينيوم، لكنها تتحرّك كأنّها «ذرة» كمومية مفردة. واستطاعت تلك «الذرة» أن تطلق حالين مختلفتين من الطاقة، ما يشبه حالة «صفر» و «واحد» الذي تعتمد عليه الحواسيب الإلكترونية المستخدمة حاضراً. إلا أنّ العلماء، بسبب القوانين غير المألوفة للفيزياء الكمومية، يستطيعون وضع «الذرة الكمومية» بحيث تعطي أكثر من حال من الطاقة في اللحظة عينها، ما يتيح تخزين كميات أكبر من المعلومات، إضافة الى زيادة قوة المُعالج في التعامل مع المعلومات. وعلى سبيل المثال، تخيّلوا أنّ لديكم أربعة أرقام هاتف، من بينها رقم لأحد أصدقائكم لكن لا تعرفون أيّاً من الأرقام هو. ربما تمثّل الحل بديهياً في طلب الأرقام لحين الحصول على المطلوب. في المقابل، يستطيع المعالج الكمومي إجراء تلك العمليات كلها في اللحظة عينها، وبالتالي العثور على الرقم الصحيح، بمحاولة مفردة. حل فيزيائي لتطور الكومبيوتر عرض علماء الفيزياء في «المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا» أوّل معالج يعمل بالتقنيات المستندة الى الفيزياء الكمومية، يستطيع ان يتعامل مع أنواع المعلومات كافة، وقابل للبرمجة، وقادر على تشغيل برامج الكومبيوتر. ويتوقع بعض العلماء ان يشهد عام 2010، ظهور أول نموذج لحاسوب كمومي يستطيع، نظرياً على الأقل، تقديم حلول للكثير من المشاكل التي تواجه تطوّر الحواسيب راهناً. وقدّم الفريق عرضاً شمل استعمال المُعالج الكمومي في عمليات حسابية متقدمة، ولتشغيل برامج كومبيوتر تقليدية. واستطاع علماء «المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا» استعماله بطريقة تُظهر تفوّق المُعالج الكمومي على نظيره التقليدي، بالنظر الى قدرة الأول على إطلاق أكثر من حال للطاقة في الوقت نفسه، بحيث يستعمل كل منها في تشغيل عمليات مبرمجة ومنسّقة. والمعلوم ان ذلك المعهد يعتمد أقراصاً صلبة شديدة التطوّر في حفظ أرشيفه وإدارة أعماله، لكن تلك الأقراص مصنوعة كلها بالطريقة الإلكترونية العادية. لذا، يُنظر الى عزم المعهد على الانتقال قريباً الى استعمال المُعالجات الكمومية، قفزة كبيرة في علوم المعلوماتية والإلكترونيات. وفي أفق الحدث نفسه، يظهر إمكان صنع شبكات كمومية. وتثير تلك الشبكات الأخيلة داخل مجتمعات العلم وخارجها. فمن المعلوم ان الفيزياء الكمومية ترى ان الضوء ليس أعلى سرعة ممكنة كونياً! والمعلوم ان ألبرت أينشتاين بنى نظريته النسبية على أساس ان لا سرعة كونيةً تفوق الضوء. في المقابل، نادى علماء الفيزياء الكمومية بأن هناك ذرات يمكن ان تمد بينها ما يشبه «الخيط القوي»، بحيث تتحرك في الوقت نفسه تماماً، أي إنها أسرع من الضوء... بكثير. ويُطلق على تلك الخاصية اسم «الترابط» او «التشابك» Entanglement. ولو ان ذرة «تشابكت» مع أخرى، ثم تباعدتا ملايين الكيلومترات، فإن تحرّك إحداهما يقود الى تحرّك الثانية في الوقت نفسه تماماً، من دون انتظار حتى للضوء وسرعته كي ينتقل بينها. ويعني ذلك صنع شبكات تنقل المعلومات بأسرع مما تفعله الشبكات راهناً، إذ تنتقل المعلومات بينها في الألياف الضوئية، بسرعة تقل عن الضوء كثيراً.