يبلغ متوسط كلفة الرعاية الصحية السنوية 7 آلاف دولار للشخص الواحد، في نظام الرعاية الصحية الوطني الاميركي غير الشامل، أي ضعفي كلفة مثل هذه الرعاية في أنظمة القوى الاقتصادية المنافسة. فالحكومات الفيديرالية لا تحدد سقفاً لكلفة الرعاية الصحية، ولا ترهنها بمستوى الخدمات الطبية أو بالحاجة إليها. وعليه، يطلب الاطباء عدداً كبيراً من الاختبارات غير الضرورية لتقاضي أتعاب اضافية، وحماية أنفسهم من الدعاوى القانونية. فهم يزعمون أن طلب اختبارات طبية كثيرة هو قرينة على جودة خدماتهم الطبية ورعايتهم المريض. وحجم النظام الصحي الوطني الاميركي المالي كبير ومتضخم. ولكن تضخم الفاتورة الصحية ليس قرينة على نوعية عالية من الخدمات الطبية. وتغيب الصلة بين نوع الرعاية الصحية، وارتفاع فاتورة الاستشفاء في المستشفى والعيادات الطبية، وبين فاتورة الدواء والمعاملات الإدارية. وبحسب دراسة صدرت أخيراً، تقل، في 10 مناطق أميركية، كلفة عناية «ميديكير» للمريض الواحد 16 في المئة عن معدل الكلفة هذه العام. ولا شك في أن أزمة قطاع الرعاية الصحية فعلية. ولكن النظام الحالي يزيد كلفة الرعاية الصحية من خمس الاقتصاد الى ثلثه، ويحمل، تالياً، على رفع الضرائب لتسديد فاتورة الكلفة هذه. وحريّ بالاميركيين الاعتبار من تاريخهم، وخصوصاً من تجربة انشاء خدمة «ميديكير» لرعاية المتقاعدين و «ميديكيد» (نظام المساعدات الصحية)، في ولاية الرئيس ليندون بي جونسون. وخلص مساعد جونسون، جوزيف كاليفانو، الى أن أحداً لم يتوقع، في أثناء ارساء نظامي «ميديكير» و «ميديكيد»، ابتكار تقنيات صور الرنين المغناطيسي، وأدوية علاج السرطان الكيماوية الباهظة الثمن، أو تطور زراعة الاعضاء. وهذه اجراءات رفعت كلفة الرعاية الصحية. ولم يستبق أحد ارتفاع متوسط الأعمار ارتفاعاً كبيراً. فاضطرت «ميديكير»، تالياً، الى إنفاق ثلث موازنتها على العناية بالمريض في آخر عام من حياته، و «ميديكيد» الى أن تنفق على دور العناية بالمسنّين مبالغ كبيرة. ونحن، اليوم، على مشارف ثورة في علم الاعصاب والجينات، وبيولوجيا الخلايا، وتطور أبحاث الخلايا الجذعية، وابتكار القلب الاصطناعي والرئة الاصطناعية. وهذه الثورة تعد بابتكار علاجات باهظة الثمن غير متوافرة اليوم. وحريّ بنا احتساب كلفة هذه العلاجات المحتملة المترتبة على الاكتشافات الطبية، وأن يدرك الكونغرس أنه لا يسعه التصدي لوضع خطة رعاية صحية تحتسب كلفة الرعاية هذه في العقد القادم. ويذهب كاليفانو الى أن السبيل الافضل الى تقليص النفقات هو تمويل الاجراءات الطبية الاستباقية التي تحول دون اصابة المريض بمرض حاد باهظ العلاج، وأن يحمل المريض جزءاً من المسؤولية، وهي مسؤولية العناية بالنفس من جهة، ومسؤولية مالية، من جهة أخرى. ويدعو كاليفانو الى إلزام شركات التأمين تغطية كلفة اجراء فحوصات طبية دورية ولقاحات الانفلونزا وغيرها من الامراض، وإلزام من يتخلف عن اجراء الفحوص الدورية واللقاحات تسديد شطر راجح من كلفة علاجه. والحق أن دراسة «مكتب موازنة الكونغرس المستقل» الاخيرة تشير الى أن مشروع الرعاية الصحية المقترح يرفع العجز الفيديرالي ألف بليون دولار، على الاقل، في العقد المقبل، وأنه لا يخفض عدد غير المستفيدين من الرعاية الصحية تخفيضاً يُعتد به. وهذا ما لا نريده. ويزعم أوباما أن مشروعه اصلاح الرعاية الصحية يوفر عناية صحية لمن لا «يغطيهم» التأمين الصحي، ويضبط الإنفاق الصحي، ويقلص عجز الموازنة. وهذا كلام غير دقيق. فالأطباء يطلبون اختبارات طبية كثيرة للحؤول دون مقاضاة المرضى لهم. وهذه الاختبارات ترفع كلفة العلاج 18 في المئة. ويتبرع المحامون بمبالغ كبيرة للحزب الديموقراطي. وأبرمت الادارة الاميركية اتفاقاً وراء الابواب المغلقة مع شركات الادوية يسمح لشركات الادوية بتحصيل 80 بليون دولار. فهي التزمت منع «ميديكير» من مفاوضة شركات الادوية على أسعار الدواء وعدم استيراد الادوية الارخص سعراً من كندا. ويخالف الاتفاق هذا وعد أوباما ناخبيه إيلاء مصالحهم الاولوية، عوض المصالح الخاصة. وكلفة العلاج الطبي في فلوريدا هي ضعف كلفته في مينيسوتا. ونتائج العلاج في المنطقتين واحدة. فالأطباء تحولوا الى مقاولين ينفقون أموالاً على تجهيز عياداتهم بتجهيزات باهظة الثمن، ويحصلون نفقات هذا التجهيز من طريق رفع تسعيرة الزيارة الطبية وتحصيلها من نظام الرعاية الصحية. والنظام هذا هو نظام تسديد تعرفة مقابل خدمة طبية، عوض أن يكون نظام التسديد نظير نوعية الأداء الطبي وفعاليته. وحريّ بخطة اصلاح النظام الصحي الزام المرضى الاشتراك في تسديد كلفة جراحات اختيارية غير ضرورية. ويبدو أن الاميركيين يميلون الى رفض اصلاح النظام الصحي، في حال ترتب عليه رفع قيمة الدين العام. *رئيس تحرير «يو أس نيوز أند وورلد ريبورتس»، عن «فايننشل تايمز» البريطانية، 20/8/2009، إعداد م.ن.