استاء الكثير ممن وصله مقطع الفيديو لطرد بعض أعضاء الحرس الوطني عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجاء الرأي العام السعودي لرفض هذا التصرف غير الحضاري الذي لا يليق ولا ينبغي من أفراد الحرس لزميل لهم يؤدي وظيفته الرسمية في جهاز «الهيئة». لن أسوق الأدلة المتواترة في فضل الأمر والنهي، الذي به صرنا به خير أمة أخرجت للناس، يقول تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، بل ومن أسباب لعن الأمم السابقة تركهم التناهي عن المنكر: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ*كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)، ومن أقوال مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - عن هذه الشعيرة العظيمة التي تميزت بها هذه الدولة المباركة: «وإني آمر جميع أمرائي من الحاضرة والبادية، وكذلك من منا له معرفة في دين الله، ويرجو ثواب الله أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ويحضوا الناس على طاعة الله وطاعة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وأن يقوموا بذلك ظاهراً وباطناً، على العسر واليسر، ولا نأخذ في ترك ذلك عذراً عند الله - سبحانه وتعالى- ثم عندي وعند المسلمين». ولن أقف كثيراً مع تغريدات جمة عبّرت عن رأي الشارع السعودي فيما حدث، وتناقلت أن الجنادرية - وللأسف - تمثلهم في التراث والأواني لا في المعاني، فحاشا أجدادنا وجداتنا أهل القيام والصيام والبر والمعروف أن يكونوا أهل غناء واختلاط ورقص وسفور، بل في هذا تشويه لماض مشرف، ولا ما طُرح من تساؤلات حول دخل الحرس الوطني في تنظيم مهرجان الجنادرية؛ لأن مثل هذه المهرجانات من اختصاص هيئة الآثار والسياحة لا الحرس الوطني. ولا التغريدة التي أشارت إلى أن الغناء والرقص في وقت تسفك فيه دماء إخواننا المسلمين في دول الجوار لا يليق بمملكة الإنسانية ولا بقبلة المسلمين وبلاد الحرمين، تغريدات كثيرة اخترت بعض مضامينها. أما عن البيان الرسمي الصادر عن المتحدث الإعلامي في جهاز «الحرس الوطني»، فقد أظهر حجم الضعف الإعلامي في جهاز الحرس، بكشفه أن عضو «الهيئة» إداري وليس ميدانياً، وكأنه بهذا يبرر الطرد والإهانة، وهل يعقل أنه لا يوجد في تعامل أفراد الحرس طريقة أرقى وأكثر حضارية ليعتذروا من زميلهم الإداري عضو «الهيئة»، وهل لا يحق لعضو «الهيئة» الإداري الذي يرى مطربة شاركت بغير إذن، وفوجئت اللجنة المنظمة بها كما صرح اللواء الزامل لوكالة «واس» بذلك من أن يكون إيجابياً ويتعاون لإيقاف هذه الفاعلية غير النظامية، وهل ستحاسب هذه المطربة التي اخترقت القانون والأعراف وغنّت من دون إذن رسمي من اللجنة المنظمة؟ وهذا أيضاً مما يزعج كماً من فاعلية أخرى غير نظامية اشتمل عليها المهرجان. المستغرب في التصريح الرسمي للمتحدث الإعلامي أنه جاء فيه: (كان تصرفه فردياً لغرض في نفسه)، وهو ما حدا بالمتابعين للتصريح أن يَسِمُوا (يهشتقوا) لغرض في نفسه، ويتساءلوا عن هذا الغرض؛ لأن النوايا لله، ولا يعلم عنها إلا هو، ولأن التصريحات الإعلامية تقوم على الحقائق لا التخرصات والأوهام، وليت المتحدث كشف عن الغرض الذي في نفْس عضو «الهيئة» الذي قاد أفراد الحرس لحمايته. لن أطيل على القارئ بكشف التناقضات التي حواها تصريح المتحدث الإعلامي، ولا التضارب بين هذا التصريح وبين ما صرح به رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي نقلته صحيفة سبق الإلكترونية بتاريخ 2-6-1434ه الذي وصف ما حدث مساء الخميس لعضو الهيئة في الجنادرية ب«الحركة غير الحضارية»، مطالباً بمحاسبة المتسبب في هذا الأمر «المشين». وقال آل الشيخ إن «الهيئة» لن تسمح بأن يُمسّ أي عضو فيها، وإن «الحرس الوطني» وعدوا بالتحقيق ومحاسبة المتسبب في هذا الأمر المشين». ختاماً ما حصل في «الجنادرية» يعكس خيبة أمل المواطن الذي كان ينتظر تصريحاً يحمل كثيراً من الصدقية وعدم التناقض والاحترام بين أجهزة الدولة، وإذا أخفق المتحدث الإعلامي في الحرس في مثل هذا الحدث.. فما الذي سننتظر منه في أحداث قد تكون أخطر؟!! ختاماً كلنا محتسب. * داعية، وأكاديمية سعودية. [email protected]