وضع الإضراب التاريخي للأسير سامر العيساوي (33 سنة) قضية الأسرى على رأس الأجندة الوطنية للفلسطينيين. وهيمن الإضراب عن الطعام، وهو الأطول في التاريخ (بدأ في الأول من شهر آب/أغسطس العام الماضي) على الفعاليات التي أقامها الفلسطينيون أمس في مختلف أنحاء الوطن إحياء ل «يوم الأسير» الفلسطيني الذي يصادف في 17 نيسان (أبريل) بعدما أقره المجلس الوطني الفلسطيني في 1974، تكريماً لمئات آلاف الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتقال منذ الاحتلال عام 1967. وتسعى إسرائيل للتوصل إلى حل لإنهاء إضراب العيساوي عن الطعام خشية وفاته في السجن التي قد تثير احتجاجات عنيفة من الفلسطينيين. وتوقع وزير شؤون الأسرى والمحررين في السلطة الفلسطينية عيسى قراقع «حلاً» قريباً لقضية العيساوي الذي وجّه بدوره رسالة إلى الفلسطينيين دعا فيها إلى جعل يوم الأسير «مناسبة لإيصال صوت الأسرى الذين ضحوا وما زالوا يضحون من أجل حرية أبناء شعبهم وأرضهم والدفاع عن مقدساتها الإسلامية والمسيحية في أطهر بقعة في العالم». وقال قراقع إن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك) والمستشار القانوني الإسرائيلي «يقودان مفاوضات مكثفة» مع العيساوي «لإيجاد حل لقضيته». وأوضح أن «صفقة يجري نقاشها مع العيساوي» الذي يرقد في مستشفى «كابلان» الإسرائيلي. وأشار إلى أن العيساوي «وضع شروطاً على أية صفقة يتم بلورتها تضمن الإفراج عنه إلى منزله في القدس وبضمانة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي وعدم فرض ما تبقى عليه من حكم سابق». ورفض العيساوي اقتراحاً إسرائيلياً بترحيله إلى أوروبا أو أي دولة أخرى. وقدم مسؤولون فلسطينيون عرضاً لم تقبله إسرائيل بأن يطلق سراح العيساوي على الفور وينقل إلى رام الله ليتلقى العلاج الطبي لمدة عام على أن تسمح له إسرائيل بعد ذلك بالعودة إلى القدس. ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول فلسطيني أمس أن إسرائيل طلبت من العيساوي أن ينهي إضرابه عن الطعام مقابل تخفيف مدة سجنه من عشر سنوات إلى سنة واحدة. وذكر قدورة فارس رئيس «نادي الأسير» الفلسطيني أن العيساوي قال إنه سيقبل الاقتراح الإسرائيلي شرط أن يبدأ عام السجن بأثر رجعي، أي من وقت اعتقاله في تموز (يوليو) الماضي. وقال مسؤول إسرائيلي: «لا نريد أن نرى هذا الرجل ينتحر». وأضاف: «هناك عناصر في الجانب الفلسطيني حريصة على أن تستغل مأساة». يذكر أن سجينين فلسطينيين توفيا في السجون الإسرائيلية هذا العام ليرتفع عدد الفلسطينيين الذين توفوا في سجون إسرائيل منذ عام 1948 إلى 207 فلسطينيين. وأعلن تسعة سجناء من «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» التي ينتمي إليها العيساوي، أمس الأربعاء إضراباً مفتوحاً عن الطعام إلى أن يطلق سراحه. وقال العيساوي في رسالته إن الأسرى الفلسطينيين «يناضلون من أجل تحسين ظروف اعتقالهم والمحافظة على كرامتهم، فيما يحاول السجان باستمرار انتهاك المواثيق والقوانين التي تضمن حرية هؤلاء الأسرى، وتشديد المضايقة عليهم، وإيصال الإحباط إلى نفوسهم بأنهم وحدهم في هذه المعركة». وقال: «يوم الأسير يجب ألا يكون اليوم الوحيد الذي يتم التضامن به مع الأسرى»، داعياً إلى تنظيم فعاليات يومية للضغط على الاحتلال من أجل إطلاق سراح جميع الأسرى، وأن لا تكون هناك عملية تفاوض إلا بإطلاق جميع الأسرى». وأضاف: «نحن نعرف أنه ما دام هناك احتلال سيكون هناك أسرى، لكن يجب ألا نترك الأسرى يعانون داخل هذه السجون إلى ما لا نهاية». واعتبر أن بقاء بعض الأسرى الفلسطينيين في السجون منذ أكثر من 30 عاماً هو عار على البشرية». وكانت إسرائيل اعتقلت سامر عام 2002 بتهمة الانتماء إلى الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، والمشاركة في هجمات مسلحة على أهداف إسرائيلية، وحكم عليه بالسجن 30 عاماً. وأطلق سراحه في تشرين الثاني (أكتوبر) عام 2011 في صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة «حماس» والتي أفرج بموجبها عن الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليت مقابل إطلاق نحو ألف أسير فلسطيني. وأعادت السلطات اعتقال سامر بعد شهرين فقط من تحرره بتهمة خرق شروط إطلاق سراحه التي تقضي بعدم مغادرته مكان سكنه في مدينة القدس ما دفعه إلى الإضراب المفتوح عن الطعام. وتطالب النيابة الإسرائيلية بالحكم عليه بالسجن 20 عاماً. وبعد إضرابه تراجعت السلطات الإسرائيلية، وحاولت التوصل إلى صفقة مع محاميه للحكم عليه بالسجن 5 سنوات. وعرضت السلطات عليه الإبعاد إلى قطاع غزة أو إلى أية دولة في العالم لكنه رفض. والعيساوي واحد من عشرة أسرى أفرج عنهم في الصفقة، وجرى إعادة اعتقالهم. وأثار إضراب سامر تدخلاً دولياً. وأعلنت كاثرين آشتون الممثلة العليا للسياسية الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي عن إجراء اتصالات مع إسرائيل للمطالبة بإطلاق سراحه. ووجه رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات أمس رسالة إلى آشتون طالبها فيها التدخل العاجل لإنقاذ حياة العيساوي، محذراً من حدوث تدهور كبير في حال وفاته في السجن. وطالب عريقات الاتحاد الأوروبي بوقف المحادثات التي يجريها مع إسرائيل لرفع مستوى العلاقة معها، ورهن ذلك بمعاملتها للعيساوي والأسرى الفلسطينيين، مذكراً بمواقف وبيانات الاتحاد الداعية إلى احترام حقوق الإنسان. وسامر واحد من ثمانية أشقاء وشقيقه واحدة، تعرضوا جميعاً للاعتقال. وأمضت شقيقته المحامية شيرين سنة في السجن بتهمة «مساعدة الأسرى» الذين كانت تزورهم أثناء توليها الدفاع عنهم. ووالدة سامر، ليلى العيساوي (65 سنة) كانت أولى المعتقلين في العائلة، حيث جرى اعتقالها في عام 1973 وحكم عليها بالسجن ستة شهور بتهمة مساعدة جرحى أصيبوا في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي حيث كانت تعمل ممرضة في مستشفى في مدينة أريحا. وتتنقل والدة سامر من اعتصام إلى آخر تضامناً مع ابنها الذي تخشى عليه من الموت في كل لحظة. وقالت: «نحن لا نأكل ولا ننام، فقط نتابع أخبار سامر، وفي كل لحظة نتوقع تعرضه للأسوأ». وتعتقل إسرائيل 4900 أسير فلسطيني بينهم 14 امرأة و 235 طفلاً تحت الثامنة عشرة، بينهم 35 طفلاً منهم تقل أعمارهم عن 16 سنة. ويعاني العديد من الأسرى أمراضاً مختلفة بينهم 25 أسيراً مصابون بمرض السرطان.